dracola
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كانط في مدرسة فرانكفورت

اذهب الى الأسفل

كانط في مدرسة فرانكفورت Empty كانط في مدرسة فرانكفورت

مُساهمة  dracola الخميس يناير 28, 2010 7:19 pm

كانط في مدرسة فرانكفورت



قـد ينشـدّ فكرنا دوما –ونحـن منغمسون في الإطلاع على النّصوص الفلسفية المنتمية إلى مـذاهب وتيـارات شتـّى- إلى البحث عن الشّروخ التي تسمح بالخروج من انغلاق الأنساق وعن الكيفية التي ينشأ فيها فكر ويبحث عن نفسه بحركة متوتّرة ومتعثّرة أحيانا أو ملهمة وثابتة أحيانا أخرى. وفي خضمّ ذلك قـد يلقى الـواحد مـنا متعة عقلية في متابعة كيفية انتظام فكر وتهيكله عبر إنشائه لحوار مع نفسه ومع غيره. ولمـا كانت الحقيقة هي ديـدن المتفلسفين فإن المقحـم لنفسه في هذا الصنف من التفكيـر يشهـد لديـه نشأة شعـور مفاده أنّ البحث عن الحقيقة يتطلّب مغامرة ومثابرة، مغامرة لأنّ ليس كلّ باحث عن الحقيقة بواجد لها، ومثابرة لأنّ جهد البحث ومعاناته أبلغ تعبيرا عن هويّتنا الفلسفيّة.
إن انطباعا مثـل هـذا حـريّ بأن يحصـل لمـن يتتبـّع أثـر كــانط في فلسـفة مـدرسة فرانكفورت.
أهمية طـرفي العلاقــــــة
ولكـن قبل الخوض في هذه العلاقة وفي محتواها سنفرد كلمة حول كـل طـرف من هـذه العلاقة.
فمدرسة فرانكفورت [ وهي التّسمية التي تطلق على ما كان يسمّى بمركز البحوث الاجتماعية والذي تأسّس في جامعة فرانكفورت سـ1923ـنة] بإنشائها للنّظرية النّقدية وبتركها لنا كمّا هائلا من الكتابات تزجّ بنا زجّا في الإحراجات الجوهرية التي تخترق العقلانية الحديثة والمعاصرة.ودون ادعاء بأنها الفلسفة الوحيدة القادرة على تبصيـر وعينا بمفارقات الحقبـة التاريخية وانسداداتها التي لا زلنا نحيا في ضلها يمكـن الجـزم بأنها معبـر ضـروري في سبيل تجذيــر هذا الوعي خصـوصا بالنسبة لنا نحـن بوصفنا جـزءا من البشريـة ينـوء بأعباء تزداد أثقالها يوما بعد يوم.
أمـّا كانط فهو الفيلسوف الذي لم يكفّ الفكر الفلسفي عن محاورته وذلك منذ حياته. بل هو الفيلسوف الذّي لازال العديد من مفكّري عصرنا يستوحون أفكارهم الأساسية من فلسفته. ويمـكن أن نلقي الآن، ونحـن واقفون على أعقاب المئوية الثانية بعـد وفاة فيلسوف كونكسبورغ، نظـرة خـاطفة على التيارات الفلسفية التي نشأت من خلال حوار مباشـر يبني مع فلسفة كـانط علاقـة من الـداخل مثـل فلسفة فيشته أو مدرسة ماربورغ المسماة بالكانطية الجديدة {فلسفة كوهان وكاسيرار} أو فلسفة كارل أوتّو آبل الذي أعـاد بناء فلسفة كانط مستفيدا بالمستجـدّات على الساحـة الفلسفيـة خـلال القرنين الماضيين2. ومن بين الفلسفات التي أرادت لنفسها أن تتموقع، من منطلـق نسقي أو معادي للنسق، يمكن لنا ذكـر أسمـاء هيجل ونيتشة وهايدقار والوضعيين والهرمنوطيقيين والتاريخويين وفلاسفـة اللغـة3.
أهمية العلاقــة في ذاتـــها
صحيح إن ما ذكـرناه خلال هذه النبذة لا يبـرر مـوضوع مقالنا لذلك لا بـد ّ من طـرح السؤال المتعـلق به وهـو: لماذا كانط ضمن مدرسة فرانكفورت؟
إنّ الإجـابة عن هذا السؤال ليست بالأمـر العسيـر لأن هذه المدرسة لم تنغلق في مذهبية حزبية ضيّقة بل نشأت في شكل مؤسّسة أكاديمية شدّدت على طابع البحث وذلك رغم انتمائها منذ نشأتها إلى الماركسية مع مديرها الأوّل غــرونبارغGRUNBERG ووفقا لرغبة مؤسّسها المالي، الثـريّ Felix Weil. وقد دفعتها خاصية كونها مركـز بحث ،منذ البداية، إلى ربط صلة وثيقة بالفلسفة المثالية الألمانية.
وقـد تعلق الربـط منذ الكتابات الأولى بفلسفتي كانط وهيجل إذ مثّل فيلسوف الروح المطلق في نظر هوركهايمر منذ ألقى درسه الافتتاحي سـ1931ـنة والذي رسم فيه برنامج البحث في المركز مرجع المشروع النّظري للفلسفة الاجتماعية لمدرسة فرانكفورت.
ويـعدّ تنزيل هيجل في هذا المقام الرفيع من المرجعيات النظرية للفلسفة الاجتماعية حصرا للمـرجعية الكانطية في ما يمكـن تسميته « حقبة ما قبل تاريخ النّظرية النّقدية ».
ولكن اختلافا مع هذا الاستنتاج الأوّلي والذي يأخذ الأمـور ببـداياتها يمكـن التأكيـد علـى أن فلسفة كانط تحضى بمكانة أهمّ بكثير ممّـا يبدو سائدا في القراءات المتأثّرة بالرّؤية الهيقليّة.4
فعلا لقد احتلّت فلسفة كانط مكانة متميّزة لدى فلاسفة النّظرية النّقدية [ونعني بالذّات ماكس هوركهايمر وادورنو وماركوز وهابرماس] وذلك خلال مراحل بنائها وتطـوّرها وإعـادة بنائها. وهذا خلافا للسّائد من القراءات وأعني بالخصوص تلك التي تغفل هذا المعـطى الحاسم فـي تاريخ النّظرية النّقدية.
إن الـدفاع عن وجـود دور جوهري لعبته الفلسفة النقدية في النظـرية النقدية ماضيا وحـاضرا يتعارض مع موقف شائع بين الشّراح الذين يعدونّ مدرسة فرانكفورت إحدى تفريعات الماركسية5. هذا الموقف الذي نجده لدى العديد من مؤرّخي الفلسفة إنّما يستند إلى عدّة نصوص ومواقف صريحة لمنظّري مدرسة فرانكفورت. ولكن تكتنفه صعوبة تكمن، في نظرنا، في كونه يهمل نصوصا أخرى ومواقف لنفس المنظّرين تكشف عن صورة ثانية لكانط وتنسّب الموقف منه، لأنّها تحمل شهادة على أن نظرة فلاسفة مدرسة فرانكفورت لكانط لم تكن واحدة أو أحادية الجانب أو جاهزة. وهذا ما يسمح لنا بتناول مفهوم المنزلة بالمعاني الموالية: فالبحث عن منزلة كانط في فلسفة مدرسة فرانكفورت هو تساؤل عن موضع النّزول وعن الرّتبة والدّور

كانط في مدرسة فرانكفورت(خاتمة)

لقد كان السّؤال الملازم لتفكيرنا ونحـن نراوح النّظر من طرف إلى آخر، كانط من جهة وفلاسفة مدرسة فرانكفورت من جهة أخرى، عبر النّصوص المتعدّدة والإشكالات المتنوّعة هو الآتي: كيف أمكن لهذا الفكر التّأمليّ الذي انطلق مع كانط أن يولّد من حركته الذّاتية مراجعة لذاته دون توقّف أو جمود؟ وبتعبير آخر: كيف أمكن للفكر الفلسفي الرّاهن <والذي تمثّل النّظرية النّقدية أفقا مرشدا له> أن يتقبّل أصوله ويتعامل مع تراثه نقديا؟

وقد يكون تقبل إرث مـا بوضع النفس في منزلة التلقي والدفاع عنه على نحو مذهبي تقديسي أو أيضا سلفي وثوقي وقد يكون على عكس ذلك رفضا له ونفيا لقيمته وقد يكون التقبل بالدخول في محاورته على أساس مفتوح واستئناف التفكير فيه لغاية تجاوزه على نحـو بنـّاء.

إن الأدلة على أن فلاسفة مدرسة فرانكفورت قد تعاملوا مع إرث الفلسفة الألمانية على النحو الأخير ليست قليلة ولعل ما يسر ذلك أن تواصل حلقات الفلسفة لم ينقطع في هذه الجهة من أوروبا وإلى حد يومنا هذا. وثمة أمر يهمنا في ذلك وبشكل مخصوص وهو يتجاوز البعد الذاتي الذي اعترفنا في البداية بوجوده والمتعلق بالدواعي الشخصية التي حدت بنا إلى اختيار هذا المبحث بالذات.

فتناول منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت إنما يقصد منه تقصي مفهوم النقد ومنهجـه عبر أهم أقطابه وذلك خلال القرنين الماضيين والنقد مثلما ألمحنا إلى ذلك سابقا يستمد أصوله من الفلسفة ويرمي إلى الكشف عن مصلحـة تحرّرية يلتزم المتفلسف بالعمل على تحققها.فمنذ كتابة هوركهايمر لنصه الذي يميز فيه بين النظرية التقليدية والنظرية النقدية اتضحت الخاصية الجوهرية لهذه الأخيرة وهي التزامها بمصلحة عملية كان كانط رائدا في تحكيمها على نقـد العقل.فالنظرية النقدية حتى في فترة وقوعها في أزمة حادة لم تتخلّ عن النقـد ولم تفقـد الصلة بمصلحـة عملية ولو كانت مكتفية بممارسة النظرية كنـقد.

والنظرية النقدية هي أيضا فلسفة اجتماعية وهنا تكمن أهميتها لدينا. فمن تعود على النظر إلى الفلسفة نشاطا تأمّـليا وتفكّـريا مرتبطا باختيارات ودوافع نظرية يعتقد في كونها خالصة فيفقد من ثمّـة صلته بواقعه الذي هو غير ثابت ويسلم بوجود ضرورة تتجاوز البشر في تحديد حركة التاريخ. وغالبا ما تؤول الفلسفة لدى هؤلاء إلى مجرد ميدان خاضع لذوق استطيقي أرستقراطي على النمط النيتشوي أو إلى نظرية خالصة بالشكل الهوسرلي أو أيضا إلى قول في الكينونة مقطوع عن التفكر في استتباعاته العملية إيتيقية كانت أم سياسية.

إن العمل انطلاقا من الحقل الفلسفي الموسوم بالنظرية النقدية يقودنا ضرورة نحو تناول القضايا الخاصة بنا وذات البعد التاريخي والاجتماعي. فعلاقتنا بالحضارة الغربية وعقلانيتها تفهم على نحو متميز من منظور الآثار السلبية التي خلفتها المعقولية التقنوية والايديولوجيا المصاحبة لها أو المعقولية الاستراتيجية وتشييئها للبعد الإنساني في حياتنا. ولكن توجه الفهم في هذا المساق لا يعفينا من تحمـل مسؤولية بقائنا، كجزء من البشرية، في شكل دوائر مغلقة لم تنخرط أنظمتها جديا في نمط من الحياة يجعل من التواصل البينذاتي الإطـار المرجعي لتفضيل تكـوُّن إرادة سياسية شرعية وقانونية على إرادة فردية وأبوية متنصلة من كل مراقبة تتـولـّى أمرها مؤسسات ولم تنخرط أيضا في معقولية جعل الحلول تسوية نسبية وظرفية لخلافات.

إننا في أمـسّ الحاجـة إلى نقـد يستمـدّ مرجعيته من النظرية وإلى حرية تكون هـدف الممارسة التي مسرحها المجتمع السياسي والنظرية النقدية تمنحنا مثالا عن الاستجابة لهذين المطلبين. ونعتقـد أننا لو تعاملنا معها على هذا الأساس لألهمتنا جملة من الحدوس الفلسفية المفيدة لنا في تناول قضايانا من الجهة التي تهمنا وبالشكل الذي يخدم مصلحتنا العامـة. وإننا لو اتبعنا هذا المسار بالحـذر الذي يقتضيه البحث والتفكير الملتزم لما خرجنا عن المعنى الذي قصده كانط لما أرجع السؤال عن الفلسفة إلى السؤال عن التفلسف. ذلك أن فلسفتنا رهينة ،في وجودها وبقائها بل وفي تقدمها، فعل التفلسف الذي أوجبه علينا أسلافنا.

dracola
Admin

عدد المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 27/01/2010
العمر : 39

https://wings.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى