dracola
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نص في درس المجتمع لهوبز

اذهب الى الأسفل

نص في درس المجتمع لهوبز Empty نص في درس المجتمع لهوبز

مُساهمة  dracola الخميس يناير 28, 2010 1:57 pm

نص في درس المجتمع لهوبز

إذا كان الناس بطبيعتهم يحبون الحرية والسيطرة على الآخرين، فما هو السبب النهائي أو الغاية أو الهدف من وراء إدخال تلك القيود على أنفسهم (تلك القيود التي يعيشون وفقها في المجتمع أو الدولة)؟ الهدف هو الحفاظ على البقاء وعلى حياة أكثر رضى. هذا يعني إخراج أنفسهم من وضع الحر البائس ذاك، والذي هو النتيجة الضرورية (كما ذكرنا) للعواطف الطبيعية، في غياب قوة مرئية ترهبهم وتفرض عليهم بالخوف من العقاب، المحافظة على العقود ومراعاة تلك القوانين الطبيعية التي تحدثنا عنها في الفصلين الـ 14 و الــ 15.
ولأن قوانين الطبيعة (مثل العدل، الإنصاف، التواضع، الرحمة، وباختصار ان نعمل للناس ما نحب ان يعملوه لنا) بحد ذاتها، وبدون الخوف من قوة تفرض مراعاتها، مناقضة لعواطفنا الطبيعية التي تحملنا على التحيز، الكبرياء، الانتقام، وهكذا. والعقود بدون السيف مجرد كلام فارغ. وليس بمقدورها توفير الأمن للإنسان بتاتا. وبغض النظر عن القوانين الطبيعية (والتي يحافظ عليها من يريد المحافظة عليها فقط إذا تسنى له عمل ذلك في أمان)، فإذا لم تقم قوة كبيرة تكفي من أجل أمننا، فكل شخص يعتمد، وبحق على قوته وحيلته للحذر من كل الناس الآخرين…
… ان الطريقة الوحيدة لإقامة قوة مشتركة كهذه، قوة يمكنها الدفاع عن الناس من الغزو الخارجي ومن الأذى الذي يسببه أحدهم للآخر، وتوفير الأمن الذي يمكنهم من العيش المريح من كدهم ومن ثمار الأرض، الطريقة هي، أن يمنحوا كل قوتهم لشخص واحد أو لمجلس من النواب يكون بإمكانه اختزال إرادتهم، عن طريق التصويت بالأغلبية، إلى إرادة واحدة. هذا يعني، تعيين شخص واحد أو مجلس نواب واحد يحمل شخصيتهم، ويعترف كل منهم انه نفسه صاحب كل تلك الأفعال التي يقوم بها أو يتسبب في عملها حامل الشخصية، في تلك الشؤون ذات العلاقة بالسلام والأمن العامين. وبهذا يلغي جميع الناس إرادتهم أمام إرادته وأحكامهم أمام حكمه. وهذا يعتبر أكثر من الاتفاق والوئام، انه وحدتهم الحقيقية في شخص واحد. وحدة نتجت عن اتفاق كل شخص مع كل شخص آخر، وبالشكل الذي يمكن الواحد أن يقول للآخر: أخول هذا الشخص أو ذاك المجلس، وأتنازل له عن حقي في حكم نفسي، وذلك شريطة أن تتنازل عن حقك له وأن تصادق على أعماله مثلي. عندما يتم ذلك، فان الجمهور الذي اتحد في شخص واحد يسمى المجتمع أو الدولة (باللاتينية Civitas). وهذا يخلق "التنين" (Leviathan) الكبير أو، إذا تحدثنا بمزيد من الاحترام، هذا "الإله الفاني" والذي نحن مدينون له، وأمام الإله الخالد، على سلامنا وأمننا. وبناء على هذا التفويض الذي يعطى له من قبل كل شخص في المجتمع، فان عليه استعمال تلك القوة الكبيرة التي منح إياها، والتي يمكنه التلويح بها من صياغة إرادتهم جميعا من اجل السلام في الداخل ومن أجل الدعم المتبادل ضد الأعداء من الخارج. وبه يكمن جوهر الدولة، والتي يمكن تعريفها كالتالي: شخصية واحدة، والتي بناء على الاتفاقيات المتبادلة صادق كل فرد من الجمهور على أعمالها، لكي يتسنى لها استخدام قوتهم ووسائلهم جميعا، وكما تجد ذلك مناسبا من اجل السلام والأمن العامين.
حامل تلك الشخصية يسمى "العاهل" (Sovereign) وهو صاحب السلطة السيادة (Sovereign Power)، وكل فرد آخر غيره "رعية" (Subject).
الحصول على السلطة السيادية يتم بإحدى طريقتين: الأولى، بالقوة الطبيعية، وهذا يحصل عندما يضع شخص أولاده وأحفاده تحت سلطته، وفي حالة رفضهم ذلك يدمرهم، أو عندما يستعبد أعداءه في الحرب مقابل ان يبقي عليهم أحياء. أما الطريقة الثانية: عندما يتفق الناس فيما بينهم، وبإرادتهم الحرة، على الخضوع. الثاني يمكن تسميته المجتمع السياسي أو "المجتمع بالتأسيس"، بينما يسمى الأول مجتمع بالاكتساب (Common-Wealth by Aquisition). سوف أتحدث، في البدء، عن المجتمع بالتأسيس (Common-Wealth by Institution).
(من: الفصل 17)
يقال عن مجتمع أنه تأسس عندما يتفق جمهور من الناس ويتعاهدون، كل واحد مع كل واحد آخر، على التالي: بغض النظر عن الشخص أو المجلس الذي يمنح من قبل الجزء الأكبر من الناس حق تمثيل شخصيتهم جميعا (أي أن يكون مثلهم)، فعلى كل واحد منهم، سواء صوت مع أو ضد ذلك، أن يصادق على جميع أفعال وأحكام هذا الشخص أو المجلس، وكأنها أعماله وأحكامه وذلك لكي يعيش المتعاقدون بسلام فيما بينهم وفي حماية من الناس الآخرين.
من هذا التأسيس للمجتمع تستمد جميع الحقوق والصلاحيات الممنوحة لصاحب أو أصحاب السيادة حسب الاتفاق بين المجتمعين.
أولا، بما أنهم يوقعون عقدا، فمن الواجب أن يكون واضحا أنهم غير ملزمين بأي عقد سابق يناقضه. ونتيجة لذلك، إذا أسسوا مجتمعا والتزموا تعاقديا أن يعتبروا أنفسهم أصحاب تلك الأعمال والأحكام التي تصدر عن شخص واحد. فلا يستطيعون قانونيا أن يوقعوا عقدا جديدا فيما بينهم على إطاعة شخص آخر دون إذن منه. ومن هنا، فان رعايا الملك (أو الحاكم الفرد) لا يستطيعون، دون الحصول على إذنه، إلغاء الملكية والعودة إلى فوضى الجمهور الممزق، كما لا يستطيعون تحويل شخصيتهم من ذلك الذي يحملها إلى شخص أو مجلس آخر، وذلك لأنهم ملزمون كل تجاه الآخر، أن يكونوا أصحاب تلك الأعمال التي يقوم بها، أو يرى عملها مناسبا، صاحب السيادة. فإذا عارض أحد، يتوجب على جميع الباقين خرق العقد الذي وقعوه معه، وهذا ظلم (injustice). وبما أن كل واحد قد أعطى السيادة لذلك الفرد الذي يحمل شخصيتهم، فإذا عزلوه، فانهم بهذا يأخذون منه ما هو له، وهذا ظلم أيضا. إضافة إلى ذلك، من يحاول عزل العاهل، وقُتِلَ أو عوقب من قبله على تلك المحاولة، يكون نفسه صاحب ذلك العقاب، لأنه، وبناء على تأسيس المجتمع، يكون صاحب كل ما يعمله العاهل. وبما أنه من الظلم أن يقوم إنسان بأي عمل يعرضه للعقاب بتفويض من نفسه فإنه من هذه الناحية ظالم (unjust). وإذا علل بعض الناس عصيانهم للعاهل بذريعة عقد جديد وقعوه مع الله، وليس مع الناس الآخرين، فان هذا ظلم أيضا، فلا عقد مع الله الا بواسطة إنسان يمثل شخص الله. ولا ممثل لله سوى من يقوم مقامه وله السيادة في الأرض. وهذا الزعم بالتعاقد مع الله هو كذبة مكشوفة (حتى في ضمائر الزاعمين أنفسهم)، وهو ليس عملا ظالما فقط، وإنما أيضا عملا جبانا وحقيرا.
ثانيا، بما أن حق حمل شخصيتهم جميعا قد أعطي لمن جعلوه عاهلا بموجب عقد متبادل بين الناس، وليس بموجب عقد بين العاهل وبين أي منهم، فلا مجال لخرق العقد من جانب العاهل. ولذا فلا يستطيع أحد من رعاياه، وبحجة فقدان السيادة، أن يحرر نفسه من الخضوع. من نصب عاهلا لا يوقع عقدا مسبقا مع رعاياه - وهذا أمر غاية في الوضوح، لأن عليه عندها اما أن يوقع عقدا مع كل الجمهور كطرف واحد أو أن يوقع عقدا منفصلا مع كل شخص. عقد مع الجميع كطرف واحد هو أمر مستحيل، وذلك لأن الناس ليسوا شخصا واحدا بعد، وإذا وقع عقودا منفصلة مع كل واحد من الناس، تكون هذه العقود لاغية بعد أن يصبح عاهلا. وذلك لأن أي عمل يزعم أحدهم أن فيه خرقا، هو عمله وعمل البقية، نظرا لصدوره عن شخص، وبناء على حق كل منهم… إن الرأي القائل بأن أي ملك (أو حاكم فرد) يحصل على سلطته بواسطة العقد، أي بناء على شروط، مصدره سوء فهم لحقيقة بسيطة وهي: ان العقود مجرد كلمات ليست لها قوة إلزام أو كبح أو تقييد أو حماية أي إنسان، سوى تلك القوة المستمدة من السياق العام، أي من الأيدي غير المقيدة لذلك الشخص أو المجلس الذي له السيادة والمعترف بأفعاله من قبل الجميع، تلك الأفعال التي تنفذ بقوة الجميع متحدة بشخصه…
ثالثا: بما أن الأغلبية، بأصواتها الموافقة، أعلنت عن قيام العاهل، فعلى من كان معارضا من قبل أن يوافق الآن مع البقية، أي أن يعترف بجميع أعمال العاهل، والا استحق التدمير من قبل الآخرين. فإذا انضم شخص إلى جمع محتشد من الناس، فانه بهذا يعلن بما فيه الكفاية عن رغبته، وكأنه عقد اتفاقا ضمنيا، في الموافقة على ما تقرره الأغلبية. وإذا رفض الموافقة على ذلك أو احتج على أحد قرارات الأغلبية، فإن عمله هذا يكون مناقضا للعقد الذي وقعه، ويكون بالتالي عملا ظالما. سواء كان حاضرا في الحشد المجتمع أم لم يكن، وسواء طلبت موافقته أم لم تطلب، فان عليه الخضوع لقراراتهم، والا بقي في حالة الحرب التي كان فيها سابقا، حيث يجوز لأي شخص القضاء عليه دون أن يكون ظالما بحقه.
رابعا، بما أن كل رعية حسب هذا التأسيس (للمجتمع) يُعْتَبَرُ صاحب كل أعمال وأحكام العاهل، ينتج عن هذا أن أيا من أعمال العاهل لا ينطوي على إلحاق أي ضرر بأي من رعاياه، ولا يجوز لأي منهم اتهامه بالظلم. وذلك لأن من يقوم بعمل شيء بناء على تفويض من الآخر لا يلحق الضرر بمن عمل حسب تفويض منه. وبناء على هذا التأسيس للمجتمع، فان كل فرد يصادق على كل أفعال العاهل. وإذا كان الأمر كذلك، فإن من يتذمر من أي ضرر يسببه العاهل هو كمن يتذمر من عمل هو بمثابة صاحبه. ولكن لا يجوز أن يتهم نفسه بالضرر، لأنه من غير الممكن أن يضر الواحد نفسه. صحيح أن من يملك السلطة السيادية قد يرتكب بعض الشرور، ولكنه لا يسبب ظلما أو ضررا بالمعنى الدقيق.
خامسا، وبناء على ما قيل أخيرا، فلا يمكن عدلا إعدام صاحب السلطة السيادية على يد أي من رعاياه أو معاقبته بأي شكل من الأشكال. فبما أن كل رعية هو صاحب كل أعمال العاهل، فان من يعاقبه هو كمن يعاقب غيره على أعمال قام بها هو نفسه.
وبما أن الغاية من هذا التأسيس (للمجتمع) هو السلام والأمن للناس جميعا، وبما أن من له الحق في الغاية له أيضا الحق في الوسائل لتحقيقها، فمن حق صاحب السيادة، فردا كان أم مجلسا، أن يحكم بشأن الوسائل اللازمة للسلام والأمن وكذلك بشأن العوائق والعراقيل في وجههما، وان يعمل ما يعتقده ضروريا من أجل الحفاظ على السلام والأمن بواسطة منع الصراعات الداخلية والاعتداءات الخارجية، وكذلك من أجل إعادة السلام والأمن عند فقدانهما.
سادسا، فمن الصلاحيات الملحقة بالعاهل أن يكون قاضيا بشأن الآراء والمذاهب المعادية للسلم وتلك التي تؤدي إليه، وتبعا لذلك، بشأن مَن من الناس يمكن الوثوق به للتحدث إلى الجماهير، وفي أي المناسبات والى أي حد، وكذلك بشأن من يقوم بفحص المذاهب (والنظريات) في جميع الكتب قبل نشرها. وذلك لأن أعمال الناس تصدر عن أفكارهم، وفي حسن حكم الأفكار يكمن حسن حكم أعمال الناس من أجل السلام والوئام. ومع انه فيما يختص بالأفكار والعقائد يجب مراعاة الحقيقة فقط، الا أن ذلك لا يتعارض مع كون الحقيقة موجهة نحو السلام. فالنظرية المعارضة للسلام لا يمكنها أن تكون صحيحة، تماما كما لا يمكن للسلام والوئام ان يتعارضا مع قانون الطبيعة… ومن هنا فمن مصلحة العاهل أن يكون قاضيا، أو ان يعين القضاة، للبت في الأفكار والعقائد، لضرورة ذلك من أجل السلام ومنع الخصام والحرب الأهلية.
سابعا، ومن الصلاحيات الملازمة للسيادة الصلاحية الكاملة في تحديد الأحكام التي على أساسها يستطيع كل فرد أن يعرف ما هي الأشياء التي يمكنه التمتع بها وما هي الأعمال التي يمكنه القيام بها دون مضايقة من قبل بقية الرعايا. وهذا ما يسميه الناس "ملكية". فقبل تأسيس السلطة السيادية (وكما بينا سابقا) كان لجميع الناس الحق في كل شيء، مما يؤدي ضرورة إلى الحرب. وبما أن هذه الملكية ضرورية للسلام، وبما أنها تعتمد على سلطة سيادية، فإنها من أعمال تلك السلطة السيادية من أجل السلام العام…
ثامنا، ومن الحقوق الملازمة للسيادة الحق في القضاء، هذا يعني في الاستماع إلى والبت في الخلافات التي قد تنشأ حول القانون، المدني منه أو الطبيعي، أو حول الوقائع فبدون البت في الخلافات لا حماية للناس من الضرر الذي يلحقه الواحد بالآخر، وتكون القوانين المتعلقة بما هو لي وما هو لك فارغة…
تاسعا، ومن الحقوق الملازمة للسيادة الحق في صنع السلام أو الحرب مع الأمم والمجتمعات الأخرى. هذا يعني، الحكم متى يكون الأمر في مصلحة الجمهور، وما هو حجم القوة اللازم تجميعها وتسليحها ودفع أجرها من أجل ذاك الهدف، وفرض الضرائب على الرعايا لتغطية النفقات التي يتطلبها ذلك…
عاشرا، ومن الصلاحيات الملازمة للسيادة اختيار المستشارين، الوزراء، القضاة والضباط، في زمن الحرب كما في زمن السلم. فبما أن من مهمة العاهل الحرص على الهدف، وهو السلام والأمن العامين، فمن الواضح أن له صلاحية استخدام تلك الوسائل التي يعتقد أنها مناسبة للقيام بواجبه.
…وقد يقول قائل هنا بإن حالة الناس بائسة جدا لأنها عرضة للشهوات والانفعالات الاعتباطية لذلك الشخص أو أولئك الأشخاص الذين بأيديهم سلطة غير محدودة بهذا الشكل. وعلى العموم، فمن يعيش تحت حكم ملكي يظن أن هذا من نقائض الملكية (أو حكم الفرد)، ومن يخضع لنظام حكم ديمقراطي، أو لمجلس نواب سيادي، ينسب جميع المتاعب إلى هذا الشكل من المجتمع. ولكن الحكم، على جميع أشكاله، إذا كانت بدرجة من الكمال تكفي لحماية الناس، هو نفس الشيء. ويجب ألا ننسى أن حالة الناس لا يمكنها أن تكون بدون إزعاج من هذا النوع أو ذاك، وان أكبر المضايقات التي تحدث للناس عموما تحت أي من أشكال الحكم تكاد تكون غير محسوسة بالمقارنة مع الآلام والكوارث الهائلة التي ترافق الحرب الأهلية، أو حتى بالمقارنة مع الوضع الفاجر بدون حاكم، بدون الخضوع للقوانين وبدون سلطة الإرغام التي تقيد الناس وتمنعهم من السلب والانتقام. وكذلك يجب ألا ننسى أن معظم الضغط الذي يمارس على الناس من قبل حكامهم السياديين لا ينبع عن لذة أو منفعة يتوقعها الحكام من إلحاق الضرر بالرعايا أو إضعافهم (فقوة الناس هي أساس قوة ومجد الحكام)، وإنما من تهاون الناس في الإسهام في الدفاع عن أنفسهم، مما يضطر الحكام أن يأخذوا منهم ما أمكن في أيام السلم لتوفير الوسائل لمقاومة الأعداء وإخضاعهم في الحالات الاستثنائية ووقت الحاجة الطارئة.
(من الفصل 18)
المجتمع بالاكتساب (Common-Wealth by Aquisition) هو ذلك المجتمع الذي يتم فيه الحصول على السلطة في حالة بالعنف. ويتم الحصول عليها بالعنف حين يصادق الناس، فرادى أو جماعات، بأغلبية الأصوات، وبسبب الخوف من الموت أو الأغلال، على جميع أفعال ذلك الشخص أو المجلس الذي بين يديه حياتهم وحرياتهم.
السيطرة أو السيادة من هذا النوع تختلف عن السيادة بالتأسيس (Sovereignty by institution) في شيء واحد فقط: الناس الذين يختارون عاهلهم، يفعلون ذلك لأنهم يخافون من بعضهم البعض، وليس لأنهم يخافون من ذلك الشخص الذي ينصبونه عاهلا. ولكن في هذه الحالة فانهم يخضعون أنفسهم لذلك الشخص الذي يخافونه. وفي كلتا الحالتين، يفعل الناس ذلك بسبب الخوف، ولهذا الأمر يجب أن ينتبه أولئك الذين يعتقدون أن عقدا مصدره الخوف من الموت أو العنف يعتبر باطلا، فلو كان هذا صحيحا، لما أمكن إلزام أي شخص، في أي نوع من المجتمعات، بالطاعة…
ولكن الحقوق ونتائج السيادة هي ذاتها في الحالتين: بدون موافقة العاهل، لا يجوز نقل سلطته إلى غيره، ولا يمكنه فقدانها. ولا يستطيع أي من رعاياه أن يتهمه بإلحاق الضرر. ولا تجوز معاقبته من قبل الناس. وهو الحاكم بشأن ما هو ضروري من أجل السلام. وهو الذي يحكم بشأن العقائد والنظريات. وهو المشرع الوحيد، وهو القضاة، المستشارون، القادة العسكريون، الوزراء، وبقية الضباط والموظفون، وله الحق في تحديد العقاب والثواب وكل المراتب ودرجات الشرف. الأسباب لهذا هي نفسها المذكورة في الفصل السابق بشأن حقوق ونتائج السيادة بالتأسيس.
يبدو واضحا إذن، بموجب العقل أو الكتاب المقدس، ان السلطة السيادية، سواء كانت في يد شخص واحد كما في الملكية، أو في يد مجلس واحد كما في المجتمع الشعبي أو الأرستقراطي، هي من العظمة بقدر ما يستطيع المرء ان يتصور. وإذا كان يتهيأ للناس أن سلطة غير محدودة بهذا الشكل تؤدي إلى نتائج شريرة، الا ان نتائج غياب سلطة كهذه، والذي يعني حربا دائمة بين الإنسان وجاره، أسوأ من ذلك بكثير. ان حالة الناس في هذه الدنيا لن تكون بدون متاعب، ولكن أكبر المتاعب في أي مجتمع تنشأ عن عصيان الرعايا وخرقهم لتلك العقود التي تكمن في صميم المجتمع. وكل من يظن أن السلطة السيادية أوسع مما يجب، ويسعى إلى الحد منها، يكون عليه الخضوع لسلطة تستطيع تقييدها، أي لسلطة أوسع منها.
(من: الفصل 20)
القوانين المدنية (Civil Laws) هي تلك القوانين التي يتوجب على الناس مراعاتها لأنهم أعضاء، ليس بهذا المجتمع أو ذاك، وإنما في أي مجتمع كان. وذلك لأن معرفة القوانين الخاصة هي من اختصاص أولئك المنهمكين في دراسة قوانين بلادهم المختلفة. ولكن معرفة القانون المدني بشكل عام هي من شأن كل إنسان. القانون الروماني القديم يسمى "القانون المدني" (Lex Civilis)، مشتق من كلمة (Civilas) والتي تعني المجتمع. وتلك البلدان التي كانت خاضعة للإمبراطورية الرومانية والتي كانت تحكم حسب ذلك القانون، ما زالت تحتفظ بذلك الجزء منه الذي تعتبره مناسبا. تلك البلدان تسمي ذلك الجزء "القانون المدني" للتمييز بينه وبين بقية القوانين المدنية الأخرى…
ومن الواضح أولا ان القانون عموما ليس مشورة وإنما أمر، ليس أمرا يصدره أي شخص لأي شخص آخر، وإنما أمر يصدر عن الشخص الذي يوجهه إلى شخص آخر سبق والتزم بإطاعته اما حسب القانون المدني فيضاف اسم الآمر فقط والذي هو (persona civitatis) شخصية المجتمع.
وبناء على ما قيل أعلاه، فإنني أعرّف القانون المدني على النحو التالي: بالنسبة للرعية هو تلك القواعد والأحكام (Rules) التي يأمره المجتمع، شفاهة أو كتابة أو بأية علامة أخرى تدل على الإدارة، باستعمالها للتمييز بين ما هو مناف وغير مناف للقاعدة أو الحكم.
لا شيء في هذا التعريف يشوبه أي غموض. فكل شخص يعرف أن بعض القوانين موجهة إلى جميع الرعايا بعامة، بعضها الآخر إلى أقاليم معينة، بعضها إلى مهن معينة، وبعضها إلى جماعات معينة من الناس. ولذا فهي قوانين لمن هي موجهة إليهم، وليس لأي شخص آخر. وأيضا: القوانين هي الأحكام التي تحدد العادل والظالم. فلا شيء يعتبر ظالما إذا لم يكن منافيا لقانون معين.
ولا أحد يستطيع سَن القوانين غير المجتمع، وذلك لأننا خاضعون كرعايا للمجتمع فقط. كما أنه يجب الإعلان عن الأوامر بعلامات كافية والا فلا يعرف المرء كيف يطيعها. وتبعا لذلك، فان كل ما يمكن استنتاجه بالضرورة من هذا التعريف يجب الإقرار على أنه حقيقة. والآن استنتج منه ما يلي:
أ) ان المشرع في أي مجتمع هو العاهل فقط، سواء كان شخصا واحدا كما في الملكية أو مجلسا كما في الديمقراطية والأرستقراطية. المشرع هو الذي يسن القانون، والمجتمع هو الذي يأمر بمراعاة تلك الأحكام التي نسميها قانونا. ومن هنا فإن المجتمع هو المشرع. ولكن المجتمع ليس شخصا وليس في وسعه عمل أي شيء الا من خلال ممثله (أي العاهل). ولذلك فالعاهل هو المشرع الوحيد. وللسبب ذاته، فلا يستطيع أحد إلغاء قانون سوى العاهل. فلا يلغي القانون الا قانون آخر يحرم تنفيذه.
ب) العاهل في المجتمع، شخصا واحدا كان أم مجلسا، غير خاضع للقوانين المدنية، فبما أن لديه صلاحية سن القوانين وإلغائها، فانه يستطيع إذا أراد التحرر من الخضوع بواسطة إلغاء تلك القوانين التي تزعجه وسن قوانين جديدة. ولذلك، فهو متحرر من قبل. والحر هو من يستطيع أن يكون حرا متى شاء. كما أنه من المحال أن يكون الشخص ملزما تجاه نفسه، لأن ذلك الذي يلزم يمكنه أن يحرر من الالتزام. ولذا فان الملتزم تجاه نفسه فقط، لا يعتبر ملزما على الإطلاق.
ج) القانون الطبيعي والقانون المدني يشمل أحدهما على الآخر، ولهما نطاق متساو. فقوانين الطبيعة، والتي هي في أساسها الإنصاف والعدل والعرفان بالجميل وبقـــية الفضائل الأخلاقية التي تعتمد عـــليها في الحالة الطبيعية (كما قـــــلت في نهاية الفصل 15) ليست قوانين بالمعنى الدقيق، وإنما صفات تهيئ الناس للسلام والطاعة. حين يتأسس المجتمع فقط، وليس قبل ذلك، تصبح قوانين فعلية، حيث تصبح عندها أوامر المجتمع، وتبعا لذلك قوانين مدنية أيضا. وذلك لأن السلطة السيادية هي التي تلزم الناس بإطاعتها… القانون المدني والقانون الطبيعي ليسا نوعين مختلفين وإنما جزءان مختلفان للقانون: جزء مكتوب يسمى "مدني" وجزء غير مكتوب يسمى "طبيعي". ولكن الحق الطبيعي، أي الحرية الطبيعية للإنسان، قد تكون مقيدة ومختصرة من قبل القانون المدني. ان الهدف من سن القوانين ليس سوى تلك القيود التي بدونها لا يمكن للسلام أن يسود. ولم يجلب القانون إلى العالم الا لتقييد الحرية الطبيعية للأفراد، وبالشكل الذي يضمن عدم إيذاء بعضهم البعض، والمساعدة المتبادلة والاتحاد ضد عدو مشترك.
(من الفصل 26)
رأي رابع مناقض لطبيعة المجتمع يقول: "صاحب السلطة السيادية خاضع للقوانين المدنية". صحيح أن كل عاهل خاضع لقوانين الطبيعة لكون تلك القوانين مقدسة (إلهية) ولا يجوز إلغاؤها من قبل أي شخص أو أي مجتمع. ولكن القوانين التي يسنها العاهل نفسه، أي تلك التي يسنها المجتمع، فهو غير خاضع لها. فالخضوع للقوانين معناه الخضوع للمجتمع، أي لممثله السيادي، أي لذاته. وهذا ليس خضوعا وإنما حرية من القوانين. ان هذا الخطأ، ولأنه يصنع القوانين فوق العاهل، يصنع قاضيا فوقه أيضا، وسلطة لمعاقبته، وهذا يعني عاهلا جديدا، ولنفس السبب، عاهلا ثالثا لمعاقبة الثاني، وهكذا إلى ما لا نهاية، الأمر الذي يؤدي إلى الفوضى والى انحلال المجتمع.

dracola
Admin

عدد المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 27/01/2010
العمر : 40

https://wings.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى