dracola
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مـفـهوم الخـاتميـة

اذهب الى الأسفل

مـفـهوم الخـاتميـة Empty مـفـهوم الخـاتميـة

مُساهمة  dracola الخميس يناير 28, 2010 2:19 pm

مـفـهوم الخـاتميـة

[(خاتم النبيين )
إن كلمة (ختم) الخاء والتاء والميم تدل على عملية ارتخاء ودفع خفيف منته بجمع متصل. وظهر ذلك في حياتنا المعيشية عندما نريد أن ننهي أمراً معيناً متفقاً عليه ، فنبدأ بذكر البنود واحداً تلو الآخر ، مع وقفة عند كل واحد للتحقق والتأكد منه وتثبيته، وهذا الفعل هو دلالة صوت (الخاء والتاء) إلى أن نصل إلى عملية النهاية فنضع البند الأخير الذي يعطي لما سبقه صفة التصديق والتواصل والإكمال والتثبيت والاستمرار لمضمون الاتفاق دون زيادة أو نقصان ، وهذا دلالة صوت (الميم).
ومن هذا الوجه يتم استخدام فعل (ختم) لكل عمل تم الانتهاء منه بصورة كاملة مع إعطائه صفة التواصل والصلاحية والاستمرار والتثبيت والمصداقية ، وهذه الصور لفعل (ختم) اقتضى في واقع حال المختوم أن يكون الخاتَم هو الآخر ضرورة لازمة وإلا انتفى عنه صفة الختم . وظهر ذلك الاستخدام في ختم العقود والوثائق ، فبعد عملية الختم لا يصح أي زيادة أو تغيير.
فمفهوم الآخر وحده يدل على نهاية الأمر المتكلم عنه ، ولا يفيد نفي وجود شيء بعده في الواقع إلا بقرينة تحدد ذلك، نحو قولنا : جاء زيد آخر الناس . فهذا الكلام لا يفيد نفي مجيء أحد بعده ، لأنه من المحتمل أن يجيء إنسان بعده . فهو يفيد الآخرية في زمن التكلم فقط ، ولا ينسحب إلى المستقبل ، غير أنه لا يفيد صفة التواصل والمصداقية والإكمال للناس الذين سبقوه ! فكلمة الآخر تدل على مجرد وصف حال الأمر من حيث هو آخر شيء حصل.
إذاً ، دلالة كلمة (الخاتَم) أعم وأشمل من دلالة كلمة (الآخر) ولا يصح استخدام كلمة (الآخر) بدل كلمة (الخاتَم) .
قال تعالى : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم ....)يس65
فختم الأفواه هو تثبيت وتوقيف وظيفتها على شيء كامن في داخلها يقوم به جهة أخرى . وليس إغلاق الأفواه كما تغلق الأبواب ! ، لأن عملية إغلاق الفم يقوم الإنسان نفسه بها بخلاف عملية الختم فلا بد لها من جهة أخرى تختم عليه. وعملية الختم لا يمكن أن يتم فتحها أو إلغائها إلا من الفاعل الذي قام بالختم . مثل إن قامت السلطات بختم محل تجاري لوقوعه بمخالفة ما . فإن قام صاحب المحل بفك الختم كان فعله غير شرعي ومحاسب عليه
قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ....)الأنعام46
وقال : ( يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) المطففين 26
فالمختوم هو شيء تم صنعته بصورة معينة وتم إنهاءه وتثبيته على ما هو عليه، والمحافظة على أن لا يتم عليه الزيادة أو النقصان ، وإعطاءه صفة الاستمرار والصلاحية .
وبعد هذا المدخل المختصر نصل إلى المفهوم الذي هو محل الدراسة ألا وهو :

( محمد رسول الله وخاتَم النبيين )
قال تعالى: ( ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ) (الأحزاب 40
يخبرنا الله عز وجل كونه صاحب العلاقة في بعثة الأنبياء والرسل ، أنه قد جعل النبي محمداً صلى الله عليه وآله خاتَماً للأنبياء بمعنى أن ما تم إرساله للناس عن طريق هذا النبي الكريم هو خاتَم لكل ما سبقه من الكتب الإلهية ، حيث تواصل معها وأعطى صفة التصديق لمجموعة من مضمونها ، ونسخ أو عدَّل أموراً أخرى ، وأضاف أموراً ، إلى أن تم إكمال المشروع الإلهي وتثبيته وإنهاءه وجمعه في كتاب واحد فكان هو (القرآن) آخر الكتب نزولاً وخاتَماً لما سبق ،وكلمة (خاتَم) بفتح التاء هي قراءة حفص عن عاصم ، أما القراءات الأخرى فقد أتت كلمة ( خاتِم) بكسر التاء ،وبالتالي يصير معناها أن النبي محمد صلى الله عليه وآله هو الفاعل بحضوره الشخصي الذي قام بعملية الختم للنبيين ، ومقام الفاعل ليس من النبي نفسه، وإنما جعله الله عز وجل كذلك ، فصار النبي محمداً خاتَماً يتم الختم به بواسطة القرآن ، وصار خاتِماً بشخصه يتم به بواسطة القرآن ختم كل ما سبق من دعوات للنبيين .
فتم توقيف عملية بعثة الأنبياء لانتهاء مهمتهم، وبلوغ المشروع الإلهي صفة الكمال ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وعندما تم توقيف بعث الأنبياء تم توقيف إرسال الرسل بداهة ، لأن مقام الرسول ينبني على مقام النبوة . فكل رسول من الله –إنساني- هو نبي، والعكس غير صحيح ، فليس كل نبي رسول . والرسول هو نبي صاحب رسالة ، أما النبي فهو رجل اصطفاه الله عز وجل ليقوم بدور المعلم والداعية إلى إتباع رسالة من سبقه من الرسل ،مع صلته بالله وحياً متعلقاً بزمانه وأحداثه، وهو بهذا الدور الجزئي كان رسولاً، مثل علاقة النبي هارون مع أخيه الرسول موسى عليهما السلام رغم أن القرآن قد وصف الاثنين بالرسالة، هارون رسول تابع ، وموسى رسول قائد .
فعندما قال الله عز وجل ( وخاتَم (خاتِم) النبيين ) دل ذلك ضرورة على ختم مقام الرسول ضمناً من خلال ختم المقام الأول (الأصل لمقام الرسول) الذي هو مقام النبوة .
لاحظ أن كلمة ( خاتَم ) في قراءة عاصم لم تأت بصيغة اسم فاعل ، لأن النبي محمد صلى الله عليه وآله ليس هو الفاعل لعملية الختم ،وإنما الفاعل هو الله عز وجل ، لذا ،أتت كلمة (خاتَم) اسم للشيء الذي يتم الختم به ( أداة ) ، وهذا ما نستخدمه في حياتنا العملية من قيامنا بتسمية الشيء الذي نختم به ( خاتَم ) ومن يقوم بالختم يكون خاتِماً اسم فاعل، ،أما قراءة الآخرين ( خاتِم ) بالكسر، فالفاعل هو النبي بشخصه ولكن ليس أصالة، وإنما تكليفاً وجعلاً .
إذاً ،عملية الختم في واقع الحال موجهة للرسالة ، فعندما تم ختم الرسالة اقتضى ضرورة توقيف إرسال الرسل ، وعندما انتهى دور الرسل لكمال الرسالة ، انتهى دور الأنبياء ، فتم توقيف بعثتهم ، واستمرت الرسالة المختومة التي تحتوي مصداقيتها في مطابقة خطابها مع محلها من الواقع من خلال البينات وآيات الآفاق والأنفس ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . لأن بعثة الأنبياء كان أمراً لابد منه عند تشكل وتراكم نزول الرسالة الإلهية ،وذلك للأخذ بيد المجتمعات الإنسانية القاصرة ،وعندما وصل المجتمع الإنساني إلى بداية سن الرشد والنضج ، اقتضى رفع الوصاية الإلهية المباشرة، وتوقيف بعثة الأنبياء وإكمال الرسالة ، والذي دلنا على وصول الإنسانية إلى بدء سن الرشد هو اكتمال التشريع وجعله خاتماً، وتوكيل الأمر إلى علماء وقادة المجتمع ليستمروا في عملية التفاعل والدراسة للرسالة الإلهية المختومة، ويسقطوها على الواقع، ويمارسوا مقام الخلافة في الأرض الذي منحهم إياه الله عز وجل ( إني جاعل في الأرض خليفة ) .
فدلالة كلمة (خاتَم أو خاتِم) تفيد التواصل والمصداقية والصلاحية والكمال والاستمرار والإنهاء والتثبيت وآخر الشيء . كل هذه الأمور مجتمعة هي مفهوم (الخاتمَية أو الخاتِمية).
لذا ،لا يصح وضع مفهوم (الخاتَمية أو الخاتِمية ) مقابل مفهوم (الآخر) لأن هذا المفهوم قاصر ولا يدل على تمام وكمال مفهوم الخاتَمية ،بينما مفهوم الخاتَمية يشمل مفهوم الآخر ، فكل عمل مختوم لا يمكن فتحه والإضافة له أو تعديله دون إلغاء عملية الختم، فعندما قال الله تبارك وتعالى : ( خاتَم (خاتِم) النبيين ) أنهى وأغلق باب بعثة النبوة بكمال الرسالة وبشخص النبي محمد نفسه ،ولن يبعث الله نبياً بعد نبيه محمد صلى الله عليه وآله أبداً . وبالتالي من يدَّعي النبوة فهو مفتري ويكذب على الله عز وجل وعلى الناس.
ولا يصح القول إن استمرار وحي النبوة ،وتواصل الله مع خلقه من خلاله ، هو رحمة ونعمة ، وأمة محمد أولى من الأمم السابقة في استمرار النبوة فيهم ! وذلك للاختلاف بينهما ، فالأمم السابقة أمم ناشئة مبتدئة تحت الوصاية الإلهية ، أما حينما وصلت الإنسانية إلى بداية سن الرشد نزل القرآن بصفته الخاتمية ، وأعلن الله رفع الوصاية المباشرة عن المجتمع الإنساني، وطلب منهم الاعتماد على أنفسهم في عملية التعامل والتفاعل مع القرآن ، وربط خطابه بمحله من الواقع ،ليصيرا - القرآن والعلم – توأمان لا ينفكان عن بعضهما .
وانقطاع النبوة في الناس لا علاقة لها بمسألة انقطاع الوحي ، فقد يتم عملية الوحي من الله عز وجل لبعض الناس لأمر خاص بهم لا علاقة للمجتمع به مثل قوله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ...) القصص 7 ، فهذا الوحي الإلهي ليس وحياً للتكليف بمقام النبوة ، وليس وحياً تشريعياً ، وإنما هو وحي خاص للإنسان ،كرامة وتأييداً وتوفيقاً أو توجيهاً أو بشرى ... ،ولا يصلح أن يكون برهاناً لشيء بالنسبة للمجتمع أبداً ، ولا ينسخ حكماً شرعياً بحق الفرد ولا يضيف أي شيء ، ولا يُلزِم الآخرين بإتباعه ، أو جعله إماماً ، أو يُسمح له بادعاء الإمامة والقيادة من قبل الله!!.
ومن هذا الباب، الإشارات والموافقات، والرؤيا ،وما شابه ذلك؛ التي يمكن أن تحصل مع الإنسان، فهي كلها خاصة له ، لا تعني المجتمع بشيء من الناحية الفكرية أو التشريعية،وقد تعني من ناحية الأحداث ، مثل رؤيا الملك لسبع بقرات سمان ، وينبغي على الإنسان أن ينتبه لهذه الأمور فلا تخدعه نفسه ويظن أنه نبياً أو مبعوثاً من قبل الله عز وجل !! فكل العلماء والدعاة والناس عموماً مكلفين بالعلم والدعوة حسب مستواهم العلمي والثقافي .
أما مسألة الاستدلال على استمرار وجود الأنبياء بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمن فهذه مسألة قد تم صنعها كهنوتياً لتبرير ادعاء النبوة . فالنبي عيس عليه السلام أكمل مهمته الرسالية كما أمره الرب تبارك وتعالى، وقد عصمه من القتل بأي طريقة كانت سواء صلباً أم بقطع رأسه أم غير ذلك، وأطال عمره حتى يكمل المهمة التي كلفه الله بها ، فالرسل أصحاب الرسالات معصومين من القتل ،وذلك موجه لطبيعة المهمة التي كُلِّفوا بها، أما الأنبياء الذين لم ينزل عليهم رسالات، فقد تعرضوا للقتل ، وكذلك مسألة رفع عيسى عليه السلام فهي رفع قيمة وليست رفع مكان . قال تعالى على لسان عيسى ( وكنتُ عليهم شهيداً مادمتُ فيهم فلما توفيتنَي كنتَ أنتَ الرقيب عليهم ) المائدة 117
والوفاة للنفس بغير رجعة تكون حين موتها ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) الزمر42 ولا يوجد وفاة للنفس دون رجعة إلا بموتها، وذلك خلاف وفاة النفس أثناء النوم فإنها ترجع للحياة الفاعلة في الدنيا. فالنبي عيسى عليه السلام توفاه الله عز وجل بعد أن مات وانتهت مهمته الرسالية، لذلك لا يصح أي خبر أو حديث في نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمن ، والآيات القرآنية التي يستدلون بظاهرها لإثبات فكرتهم لا علاقة لها بالموضوع أبداً ؛وإنما يتم صرف معناها وتحميل النص ما لا يحتمل . وما ينطبق على النبي عيسى عليه السلام ، ينطبق على مفهوم الإمام المهدي، فما يستدل به أصحاب فكرة الإمام المعصوم، يدحضه أصحاب فكرة الإمام المهدي المسيح ، والعكس أيضاً ،وهذا لأن كِلا المفهومين غير صواب . والغريب أن من يثبت إمكانية وجود الإمام المهدي المسيح يعتمد على مسألة نزول عيسى عليه السلام في الموروث الإسلامي ، وبعد استخدامها لإثبات بعثة الإمام المهدي المسيح ، يقومون بإثبات موت عيسى عليه السلام وأنه لن ينزل في آخر الزمن .
والمقصود بهذه الأخبار هو الإمام المسيح الذي يخصهم، وذلك بقولهم : إن الذي سوف يُبعث ليس هو عيسى بشخصه ، وإنما المقصود مثيله بالصفات من حيث قيامه بعملية المسح للأرض وإزالة الكفر ونشر الإسلام !!! ويقولون بنبوته دون رسالته ، ويعدونه تابعاً للرسول محمد صلى الله عليه وآله مثل تابعية النبي هارون لأخيه الرسول موسى عليهما السلام . ولا أدري ما فائدة هذا النبي مع تمام وكمال وحفظ الرسالة !! فإن كان لدراستها وتعليمها للناس فهذا يحصل من خلال العلماء على كافة الاختصاصات ، وما رأي هذا النبي المسيح إلا رأياً خاصاً به يخطئ ويصيب، والمعيار هو القرآن والعلم والمنفعة للناس ، وإن كان لتجديد ما انقرض أو تحرف من الرسالة، فهذا أيضاً غير موجود لتمام وكمال وحفظ الرسالة كما تعهد الله بذلك ( ومن أصدق من الله قيلا ) ! فلماذا نسميه نبياً أو مسيحاً ؟ وكيف نجعل الإيمان بنبوته ركن من أركان الإيمان رغم أن الله عز وجل لم يطالبنا بالإيمان بالأنبياء وإنما طالبنا بالإيمان بالرسل انظر إلى قوله تعالى ( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) البقرة 285
وقال : (فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) آل عمران 179
والرسل هم أصحاب الكتب فيجب الإيمان بهم واحترام أتباعهم والتعايش معهم ، أما الأنبياء فليس المطلوب الإيمان بهم ،وذلك لعدم وجود رسالة عندهم ، ونفي الإيمان بمعنى نفي الإتباع وهذا شيء طبيعي لانتفاء وجود الرسالة ، ولكن نصدق بوجودهم لأن الله أخبر بقصصهم . فينبغي التفريق بالدلالة بين مفهوم الإيمان ، ومفهوم التصديق ، فالسؤال الذي يفرض ذاته هو: هل من يدعي النبوة يعتقد بوجود رسالة خاصة له !؟ فإن كان الجواب بالإيجاب فقد كفى الله المؤمنين القتال لأن الرسالة مختومة على ما هي عليه، وبالتالي أي رسالة أخرى بعدها هي كذب وافتراء على الله عز وجل، وصاحبها كذاب مدعي للنبوة والرسالة . وإن كان مدعي النبوة يقول : أنا نبي تابع للرسول محمد صلى الله عليه وآله ولم ينزل علي أي رسالة أبداً ، يكون قد نفى عن نفسه صفة الإيمان به لأنه ليس رسولاً ، وانتقل إلى مسألة التصديق أو التكذيب بنبوته ،وسواء أكان يمكن أن يكون نبياً أم لا، فالأمر لا يقدم ولا يؤخر ، لأن المفهوم قد تفرغ من محتواه وصار اسماً وشكلاً دون مضمون ،لعدم وجوب الإيمان به لانتفاء نزول رسالة عليه تكون محل الإتباع؛ فدعوى وجوب الإيمان بإمامة ونبوة المسيح المهدي دعوى باطلة ، فما بالك إذا كان ادعاء النبوة له باطلة أصلاً، وغير ممكنة لتناقضها مع صفة الخاتمَية والخاتِمية للنبي محمد صلى الله عليه وآله .
ويوجد مسألة هامة أيضاً متعلقة بنسب من يمكن أن يصطفيه الله عز وجل لمقام النبوة وهي أن يكون من ذرية نوح وإبراهيم أو من ذرية أحدهما ضرورة . قال تعالى : (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) الحديد 26
أما ذكر كلمة الأنبياء في سياق الإيمان نحو قوله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ..) البقرة 177 فهذا المقصود به مفهوم النبوة من حيث الأساس، لأن الإيمان موجه إلى الرسالة وليس إلى شخص النبي ، فالإيمان المطلوب هو التصديق و الإتباع لما نزل على النبي من أوامر وأحكام ، فإن لم ينزل على النبي شيء، فكيف نؤمن به تصديقاً وإتباعاً !؟ وإن نزل عليه وحي تكليفي متعلق بسلوك الناس صار رسولاً !!. وقد يقول قائل : كيف طلب الله الإيمان بالأنبياء من الأقوام السابقة ولم ينزل عليهم رسالة وإنما كانوا تابعين للرسول السابق !؟ والجواب عن هذا هو أن الرسالة لم تكتمل بعد ، والمجتمعات الإنسانية لم تصل إلى بداية سن الرشد ، فكان لابد من بعثة الأنبياء للأخذ بيد الناس وقيادتهم للوصول إلى بداية سن الرشد و النضج ، أما بعد أن اكتملت الرسالة نزولاً -وهذا الحدث مؤشر على أن المجتمع الإنساني قد وصل إلى بدء سن الرشد- انتفت الحاجة والضرورة من استمرار الوصاية الإلهية عن طريق الأنبياء، فتم عملية ختم النبوة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله . غير أن الإيمان المطلوب هو موجه إلى الأنبياء الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن ، وبالتالي فنحن غير ملزمين بأي نبي لم يرد اسمه في القرآن ، ومن العدل أن لا يحاسب الله الإنسان على شيء لم يطلبه منه أو لم يبينه في كتابه، وما ينبغي أن يبنى هذا المفهوم على الظن والاجتهاد أبداً، فالأحاديث المنسوبة إلى النبي لا تصلح أن تكون برهاناً ، وذلك لأمرين :
أحدهما : ظنية ثبوتها ، والاختلاف في صحتها ، ودلالتها .
ثانياً : نفي عنها صفة الوحي، والحفظ الإلهي.
وخاصة أن الكتاب الإلهي قد اكتمل نزولاً، و جعله الله خَاتماً ،وجعل النبي محمداً خاتِماً لما سبق ، فهو غير قابل للزيادة أو النقصان .
وعملية استمرار بعثة الأنبياء أو الرسل مرتبطة بمفهوم كمال الرسالة ،و وصول المجتمعات الإنسانية إلى بداية سن الرشد ، فمن ثبت عنده ذلك ، يقتضي انتفاء بعثة الأنبياء والرسل ، ومن يعتقد بعدم كمال الرسالة، وانتفاء وصول الإنسانية إلى بداية سن الرشد ، يقتضي ذلك استمرار بعثة الأنبياء والرسل ، أما الاعتقاد بكمال الرسالة ،والوصول إلى سن بداية الرشد ، ومع ذلك يعتقد بإمكانية استمرار بعثة الأنبياء ،فهذا تناقض واضح وغير منطقي !! لأن الأمر يصير مثل بلوغ الأيتام بداية سن الرشد والنضج ، واكتمال التعاليم لهم ، وقدرتهم على التعامل معها مباشرة، ومع ذلك مستمرة عليهم صفة الوصاية !! لا يجتمعان أبداً ، ولا تقبله المجتمعات الإنسانية ، ولا يصح تسمية ذلك رحمة، أو احتراماً، أو محبة ! إنها الهيمنة والاستبداد ، والحجر على العقول ، واغتيال حق الآخر في عملية الإبداع،ونفي الاجتهاد والاختيار ، وتعطيل وظيفة مقام الخلافة للإنسان .




تعليق الأستاذ هـاني طاهـر من جماعة الأحمدية
(1)
واضح أن الكاتب يرفض أي حديث نبوي، ولا يفرق بين الصحيح والضعيف. ولا يأبه بالحديث عارض القرآن أم لم يعارضه.. جاء بطريق واحد أم بعشرة طرق. بل يرى أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفسر آيات القرآن ولا أن يوضح المجمل فيها، بل أظن أنه لا يأخذ بالسنة التي وضح فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأفعاله شعائر الحج وكيفية الصلوات.
إن رفض أحاديث نـزول المسيح كلها يتضمن رفْض أحاديث علامات الساعة كالدجال ويأجوج ومأجوج الذي ذُكر في القرآن أيضا. وهذه الأحاديث وردت عن عشرات الصحابة بعشرات الطرق، ورفضُها كلّها يعني إلغاء السنة كلها، لأنه لا أظن أن أي حديث بلغ من التواتر ما بلغت هذه الأحاديث بمجموعها.
وهذا الرفض لا بد له من تفسير عقلي، فما معنى أن يتفق عدد كبير من الصحابة على نسبة هذه الروايات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا لا يعني سوى أن الرسول قد قال ذلك، إنه يعني أنه صلى الله عليه وسلم قد تحدث عن نـزول المسيح وعن خروج الدجال وعن يأجوج ومأجوج الموصوفين أنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون.
إن النبوءات قضية معروفة في حياة الأنبياء، والقرآن فيه من النبوءات الكثير:
كما في الآيات الكريمة التالية":
وهم من بعد غلبهم سيغلبون،
وإذا العشار عطلت،
وإذا الصحف نشرت،
إنا فتحنا لك فتحا مبينا،
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم.
والتوراة مليئة بمثل هذه النبوءات، بل في العهد الجديد يوجد سفر كامل باسم رؤيا يوحنا اللاهوتي.
لذا فإن رفض الأحاديث هذه كلها يتضمن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا بد أنه صلى الله عليه وسلم قد قالها، وإن كان بشكل قد لا يتفق تماما مع المروي، لكنه يتفق إجمالا معه بلا ريب.
ولو أردت مناقشة الأخ نقاشا مبنيا على القرآن الكريم وحده لقلت:
رغم أننا نوافقه في وفاة المسيح، لكنه تحدث عن آية (وخاتم النبيين) من دون سياقها، بل أسهب في توضيح المعنى اللغوي للختم الذي قد لا نعارضه في كثير منه، ولكن المهم هو سياق هذه الآية الذي أغفله كليّا؛ فالآية جاءت تنفي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أبا أحد من الناس، وخوفا من أن يفهم من هذا أنه أبتر كما وصفه أحد عتاة الكفر، جاءت (لكن) الاستدراكية لتستدرك وتقول: إنه والدنا الروحي، بل أبو الأنبياء والذي يختم على صدقهم، أي يصدق رسالاتهم. فإن كانوا سابقين، فهو قد أمر بتصديقهم، وأثبت صدقهم، وخصوصا المسيح ابن مريم، وإن كانوا لاحقين، فلا يمكن إلا أن يكونوا خدّاما لرسالته لا خارجين عليها ولا ناسخين لأي حكم فيها.
ولكن الأخ أغفل هذا كله.
لم يرد في القرآن الكريم أي دليل على انقطاع النبوَّة التابعة قط، أمّا قولـه تعالى(خاتَم النبيين) فهو دليل على انقطاع النبوَّة التشريعية. وكذلك آية (أكملت لكم دينكم).
وهنالك العديد من الآيات التي تؤكد استمرار النبوَّة، التي لا بد أن تكون نبوة تابعة لا تشريع فيها بعد أن ثبت انقطاع النبوة التشريعية، ومن هذه الأدلَّة:
الدليل الأول: قولـه تعالى(يَابَنِي ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة الأعراف: 36)
الخطاب موجه إلى بني آدم جميعهم، ولا يستطيع أحدٌ أنْ يُخْرج من هذا العموم من وُلِدَ بعد محمد صلى الله عليه وسلّم إلا بدليل، وحيث ثبت أنَّ قولـه تعالى (وخاتَم النبيين) ليس دليلاً على انقطاع النبوَّة التابعة، وليس هناك أي دليل آخر، قلنا بعدم وجود مخصص لعموم الخطاب في هذه الآية.
والخطاب في هذه الآية جاء بصيغة المضارع التي تفيد الاستقبال، أي أنَّ الخطاب لبني آدم في المستقبل، والآية تطلب من هؤلاء أنْ يؤمنوا بالمرسل إليهم منـهم. ولو فرضنا أنْ لا أحد سيأتي في هذه الأمة مبعوثًا من عند اللـه لما كان لـهذه الآية أية فائدة، وحاشا للـه من ذلك. ولا بد من التنويه بأنَّ الآية التي سبقت هذه الآية بأربع آيات فحسب خاطبت بني آدم كلـهم (يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّـه لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (سورة الأعراف: 32) ، كما خاطبت الآية التي سبقت هذه الآية بثماني آيات من السورة نفسها بني آدم(يَا بَنِي آَدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) (سورة الأعراف: 2 . ولا يعقل أنْ يكون الخطاب في القرآن بـ(يا بني آدم) مختصًّا ببني آدم الذين ماتوا، مستثنيًا منـهم الذين سيولدون!!
الدليل الثاني: قولـه تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنـهمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (سورة الأحزاب:
والسؤال المطروح هنا: ما هو ذلك الميثاق الذي أُخذ من النبيين ومن محمد صلى الله عليه وسلّم؟
نجد الإجابة عن هذا السؤال في آية أخرى. اقرأ قولـه تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللـه مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بـه وَلَتَنْصُرُنـه قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (سورة آل عمران: 82)
يتضح من هذه الآية أنَّ اللـه تعالى قد أخذ الميثاق من كل نبي، أنْ يؤمن بأي رسول يأتي مصدقًا لما معه، وأنْ ينصره، ويشمل الخطابُ أمَّةَ أيِّ رسول.
لقد وردت آيات واضحة في التوراة تشير إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، كما في الإنجيل، بيد أنَّ اليهود لم يقتنعوا بانطباقها عليه.
كما وردت أحاديث نبوية شريفة واضحة تشير إلى صفات المهدي عليه السلام، وأوان بعثتـه، فجاء مصدقًا للقرآن والسنة، وانطبقت عليه معايير صدق الأنبياء، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.
الدليل الثالث: قولـه تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبـه وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنـه وَمِنْ قَبْلـه كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) (سورة هود: 1 .
يُستدلُ بـهذه الآية على صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بثلاثة أوجه.
أولـها: أنَّـه على بيِّنة من ربـه.
ثانيها: يأتي بعده شاهد من عند اللـه يشهد على صدقه.
ثالثها: شهادة التوراة السابقة لـه.
فمن هو هذا الشاهد الذي يتلوه؟ لقد وُصِفَ بأنَّـه مِنـه! فما معنى مِنـه؟ أليس من أمَّتـه؟ وهل كان عيسى ابن مريم من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم؟
ويجب تدبـر الفرق بين أدلَّة صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم الذي يتلوه شاهد منـه، وبين أدلَّة صدق الأنبياء الآخرين. ولنقرأ من السورة ذاتـها: قولـه تعالى (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إنْ كُنْتُ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبّي وَآتاني رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) (سورة هود: 29)، هذه الآية على لسان نوح عليه السلام. ويتضح أنَّ دليل صدقه يقتصر على أنَّـه على بيِّنة من ربـه، وأنَّ اللـه آتاه منـه رحمة، ولم يكن يتلوه شاهد منـه.
وهكذا صالح عليه السلام، اقرأ قولـه تعالى (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءَاتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) (سورة هود: 64). إنَّـها أدلَّة صدق نوح ذاتـها، من دون أنْ يرد فيها إنَّـه يتلوه شاهد منـه.
ولو تتبعنا أدلَّة صدق الأنبياء السابقين لرأينا أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلّم يتفوق بدليل إضافي، هو أنَّ مبعوثًا يتلوه يشهد على صدقه مبينًا للعالم نصاعة دينـه وقوة حججه، مبطلاً شبـهات معارضيه. وهكذا كان المهدي عليه السلام الذي أفحم المعارضين بصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم، وصدق رسالتـه وصلاحـها لكل زمان ومكان، فنـهض بجماعتـه لنصرة الإسلام في أحلك الظروف، حيث الجهل يكتنف العالم الإسلامي، وحيث الاستعمار والمرض الفتاك والأمية والتخلف.
الدليل الرابع: قولـه تعالى (اللـه يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (سورة الحج: 76).
نكرر ما قلناه من أنَّ صيغة المضارع تدل على الحال وعلى الاستقبال.
الدليل الخامس: قولـه تعالى (مَا كَانَ اللـه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللـه لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللـه يَجْتَبِي مِنْ رُسُلـه مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللـه وَرُسُلـه) .
استعمل الفعل المضارع هنا، أيضًا.
الدليل السادس: قولـه تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللـه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أولئِكَ رَفِيقًا) .
تتحدث هذه الآية عن درجات أربع: درجة الصالح، درجة الشهيد، درجة الصِّديق، ودرجة النبي. وهي تَعِدُ من يُطِعِ اللـه والرسول بنوال درجة من هذه الدرجات حسب طاعتـه، فقد يكون صالحًا، وقد يكون شهيدًا، وقد يكون صدّيقًا، وقد يكون نبيًّا. ولسنا بحاجة إلى تأكيد في كل مرة أنَّ درجة النبوَّة التشريعية غير ممكنة؛ حيث ثبت انقطاعها بأدلَّة لا تقبل النقاش.
وقد فهم البعض من الحرف (مع) أنَّ من أطاع اللـه ورسولـه فلن يكون من الصالحين أو الشهداء أو الصديقين أو الأنبياء، بل سيكون مرافقًا لـهم في الجنة، من دون أنْ يكون واحدًا منـهم، أي كأنَّـه ضيف عليهم.
لكن كلمة (مع) هنا تعني (مِن). وقد وردت هذه الكلمة في مواقع أخرى من القرآن الكريم بـهذا المعنى، كما في قولـه تعالى (وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) .
وهناك من يقول: إنَّـها تعني (من) للدرجات الثلاث الأولى، أمّا درجة النبيين فيعود معنى (مع)فيها إلى أصلـها وهو المرافقة والمصاحبة.
ويجاب هؤلاء بأنَّ هذا تَحَكُّم في النص. ولا دليل على هذا الكلام بعد أنْ ثبت من خلال سرد الشبـهات حول انقطاع النبوَّة التابعة، ودحضها.
ونكتفي بـهذه الأدلّة من القرآن الكريم رغم وجود غيرها.
الإيمان بالأنبياء أم بالرسل:
قال الأخ سامر: "إن الله عز وجل لم يطالبنا بالإيمان بالأنبياء وإنما طالبنا بالإيمان بالرسل".
مع أن كل نبي رسول، وكل رسول نبي، لكن النبوة والرسالة نوعان. ومن أدلة وجوب الإيمان بالأنبياء:
قوله تعالى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة 177)
وقوله تعالى ((كانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ } (البقرة 213(
وقوله تعالى ((قل آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (آل عمران 84(
أما استدلال الأخ سامر على عدم بعثة الإمام المهدي ولا المسيح ولا أي مبعوث من عند الله بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكاره هذه الروايات الكثيرة العدد، محتجا باكتمال الرسالة، وبوصول المجتمعات الإنسانية سن الرشد، ومن ثمّ فلا داعي لبعثة الأنبياء.. فهو قول لا دليل عليه، بل هو مجرد استنتاج عقلي محض، ولا يصلح في هذه المسائل سوى الدليل النقلي، لأن الله تعالى وحده مَن يعلم متى تصل البشرية إلى سن الرشد هذا الذي يغنيها عن أي هداية من الله.
لو تحدث الأخ سامر عن اكتمال الشريعة، وانقطاع التشريع الرباني لوافقناه تماما.. لأن لدينا أدلة قرآنية على ذلك، أما أن يستنتج من اكتمال الشريعة وجوب انقطاع أي هدي من الله فهذا لا نوافقه فيه، ولا نرى عليه دليلا.. بل لدينا أدلة تنقضه، وهي أدلة استمرار الوحي.
أما أنّ هذا الوحي خاص بصاحبه، فهذا أيضا لا دليل عليه، فأين الدليل الذي يمنع نزول وحي على إنسان يؤمر بتبليغه؟
وأما وصف الوحي غير التشريعي بـ" الهيمنة والاستبداد ، والحجر على العقول ، واغتيال حق الآخر في عملية الإبداع،ونفي الاجتهاد والاختيار ، وتعطيل وظيفة مقام الخلافة للإنسان ." فلا أراه معقولا البتة. إن الإلهام الذي ينـزله الله تعالى على عباده هو أعظم نعمة، وهو ليس حجرا على عقولهم، ولا اغتيال حقهم في الإبداع، بل هو إرشاد وتوجيه وتنوير وهدي وطمأنينة ويقين.




تتمة تعليق الأستاذ هاني طاهر من جماعة الأحمدية
على مقال( الخاتمية)(3)
خاتم لغة وسياقا:
مع أنَّ كلمة خاتَم تحتمل معنى آخِر، فإنَّـها هنا لا تحتمل هذا المعنى إطلاقًا؛ لسببين:
أولـهما: سياق الآيات؛ فالآية تتحدث عن أنَّ نبي اللـه لم يكن أبًا لأحد، وهذا المعنى لو أُخِذَ على ظاهره لكان إساءة إليـه، وتصديقًا لذلك الكافر الذي وصف رسول اللـه صلى الله عليه وسلّم بالأبتر. لكن اللـه تعالى سمى ذلك الكافر بالأبتر(إنَّ شانئك هو الأبتر) (سورة الكوثر: 4) مع أنَّ لـه بنين، وليس لرسولنا الكريم أي ولد ذكر. لذا يجب ألاّ يُفهمَ من هذه الآية أنَّـها تصف رسولنا بأنَّـه مقطوع النسل ليس لـه ولد. بيد أنَّ هذه هي الحقيقة من ناحية مادية جسمية، لذا توبع نص الآية مع (ولكن)، وهي حرف استدراك، يكون ما بعده من جنس ما قبلـه، لكنـه بخلافه، كأن نقول: هذا ليس حصانًا، لكنـه حمار، فكلاهما من جنس الحيوان. ولكننا لا نستطيع أنْ نقول: هذا ليس حصانًا، لكنـه شاي، فالحصان والشاي لا يجمعهما شيء، وليسا من جنس واحد.
لنعد إلى تكملة الآية: (ولكن رسول اللـه) ولنقارن بين ما جاء قبل (لكن)، وما جاء بعدها:
قبلـها:ما كان محمد أبا أحد من رجالكم… بعدها: رسول اللـه وخاتَم النبيين.
قلنا: لا بد أنْ يكون ما قبلـها من جنس ما بعدها، غير أنَّـه يخالفه؛ لذا علينا أنْ نتساءل: ما العلاقة بين كون نبينا ليس أبًا لأحد، وكونـه رسولَ اللـه، وخاتَم النبيين!
إنْ قلنا: إنَّ معنى خاتَم النبيين آخرُهم مبعثًا، فما هي العلاقة بين عدم كونـه أبا أحدٍ من المسلمين وكونـه آخر النبيين؟ إنَّـه لا علاقة ألبتة. وهو كقولنا: أنا لا أحب القهوة ولكن أحب دراسة التاريخ، فهذا كلام لا يستقيم بحال، فكيف بكلام رب العالمين؟
لذا لا يمكن أنْ يكون معنى خاتَم النبيين آخرهم مَبْعثًا من خلال هذه الآية. والذي يأخذ بـهذا المعنى يكون قد حمّل الآية ما لا تحتمل.
أمّا المعنى الذي يستقيم، فهو: (صحيح أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلّم ليس لـه ولد من ناحية جسمِّية مادية، لكنـه والدكم جميعًا من ناحية روحانية، وليس هذا فحسب، بل هو أب روحاني للنبيين كونـه أفضلـهم وزينتـهم).فالآية لا تتحدث عن انتـهاء النبوَّة لا من قريب ولا من بعيد. لذا وجب على كل مسلم أنْ يؤمن بأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلّم خاتَم النبيين، بمعنى أفضلـهم وزينتـهم. ويتضمن هذا أنَّـه آخر نبي تشريعي، لأنّنا لو فرضنا أنَّ نبيًّا سينسخ شريعتـه لكان أفضل منـه، وهذا يعارض الآية.
ثانيهما: كون كلمة خاتَم مضافة إلى الجمع على سبيل المدح، فهي في هذه الحالة لا تعني إلا الأفضل.
وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، ولا يجد المخالف مثالاً مناقضًا، ولن يجد. والباب مفتوح على مصراعيه أمام من شاء البحث في بطون الكتب ليتيقن مما نقول.
ومن هذه الأمثلة: ما يمكن أنْ نقرأه في مدح العلماء، حيث يوجد مثل هذا المديح في التقديم لكتبـهم، فقد قالوا: محمد عبده خاتَمة الأئمة، الآلوسي خاتَمة المحققين، الشاه عبد العزيز خاتَم المحدثين والمفسرين، علي خاتَم الأولياء، أحمد السنوسي خاتَمة المجاهدين، المتنبي خاتَم الشعراء، وغير ذلك الكثير الكثير من الأمثلة. فهل فهم أحد أنَّ (محمد عبده) آخر الأئمة، أو أنَّ الآلوسي آخر المحققين، أو أنَّ المتنبي آخر الشعراء؟
أما القول إن هذه الاستخدامات ليست بحجة، فنقول إنها تظل أقوى من قول المخالف الذي ليس لديه أي مثال على هذا المعنى الذي يذهب إليه.
وأكرر أن المعنى السياقي له دور أبرز في تحديد معنى اللفظة من المعنى القاموسي. إن لفظ (خاتم) له ثلاثة معانٍ، منها الإغلاق والإنهاء، لكن هذا المعنى لا يستقيم في هذا السياق الذي تحدثنا عنه. وبهذا ننهي فكرة أن الآية الكريمة تمنع إرسال أي نبي بعد سيدنا محمد (ص)، لكننا نؤمن أنها تمنع ضمنيا بعثة أي نبي بشريعة جديدة بعد سيدنا محمد (ص)، وكذلك آية إكمال الدين تمنع.
حديث (لا نبي بعدي):
قال الأخ سامر إنني ضعّفت هذا الحديث. وقوله ليس بصحيح، فالحديث صحيح، لكننا نفسّر البعدية هنا بالبعدية المتصلة، أي "لا نبي أثناء غيبتي"، كما كان هارون نبيا أثناء غياب موسى (ع)، فالنص لا يفيد إلا أن عليا ليس بنبي. ونقول للقائلين بنـزول المسيح من السماء المستدلين بهذا الحديث على انقطاع النبوة كلها: إنكم متناقضون.


رد إسلامبولي على هاني طاهر (4)
تحية طيبة وبعد
ابتداء ينبغي الاتفاق على دلالة كلمة ( خاتم )،وأنها أوسع من كلمة (آخر )، وتتضمنها، فكلمة (آخر) لا تدل على كلمة (خاتم) ، بخلاف كلمة (خاتم)، فإنها تتضمن دلالة الآخر،إضافة إلى الدلالات الأخرى، التي هي الإكمال،والإنهاء، والحفظ، والتصديق ،والتواصل ،والاستمرار، وما شابه ذلك من دلالات، التي تنتهي ضرورة بدلالة الآخر، وليس من دلالة كلمة خاتَم في واقع الحال، الأفضل، أو الأعظم، أو الزينة ، من الناحية اللسانية قط.
فالنبي محمد هو خاتم الأنبياء ، وذلك يدل على وجود سلسلة من الأنبياء المتصلين مع بعضهم في المفاهيم ، والأفكار ، ليشكلوا بناء معيناً على أسس واحدة ، إلى أن شارف البناء على الانتهاء ، فتم بعثة النبي محمد ، وأكمل هذا البناء ، فكان بذلك العمل مُكمّلاً ، ومُنهياً لما تم الابتداء في بنائه سابقاً ، فحقق بهذه العملية التواصل مع من سبقه ، وحقق التصديق لهم ، والتوثيق لما نزل عليهم من الثوابت ، وأعطى لهذا العمل صفة الاستمرار، والإنهاء ،و الآخرية ، وبما أن صفة ( الخاتَم ) تعلقت بشخص النبي ؛تناولت مفهوم النبوة أيضاً من حيث الإكمال ، والإنهاء ، فكان النبي بذلك المفهوم ،هو نهاية ، وآخر الأنبياء بعثة .
وصارت كلمة ( خاتَم ) في النص تدل على مفهومين معاً بوقت واحد ، وهما :
الأول : إكمال، وإنهاء بناء الدين .
الثاني : توقيف ، وإنهاء بعثة البُناة ( الأنبياء ) .
وهذان المفهومان لا ينفكان عن بعضهما في دلالة النص ،ولا يصح القول بأحدهما دون الآخر ، لأن إثبات أحدهما هو إثبات للآخر ضرورة .
أما فهم دلالة كلمة ( خاتَم ) وُفق سياق صيغة الاستدراك ، فهو التالي :
إن أداة ( لكن ) هي للاستدراك ، والتأكيد على أمر معين ، وخلال النص نلاحظ نفي صفة الأبوة عن النبي لأحد من الرجال ،( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) ، ابتداء ينبغي التفريق بين دلالة كلمة ( والد) ، وكلمة ( أب )، فصفة الوالد قد تحققت في النبي محمد ، ورزقه الله – عز وجل – أولاداً ( ذكوراً وإناثاً ) ، فكان النبي أباً للإناث ، لأنهن كَبُرن في عهدته ، وعنايته ، ومارس عليهن دور الأب ( تربية ) ، ولكن لم يصر أباً لأولاده الذكور ، لأنهم ماتوا وهم صغار ، ولم يصلوا إلى مرحلة الرجولة ، هذا ما تم نفيه عن النبي في النص صراحة ، ( أبوة محمد نسباً لأحد من الرجال ) ، وتضمن النص بمفهومه نفي عملية التبني لأي من الأولاد الذكور، تربية وعناية بالنسبة للنبي محمد ، وبذلك انتفى عن النبي صفة الأبوة لأي من الرجال بصورتيها ( النسب والتبني ) ، وأتت أداة ( لكن ) لتستدرك مفهوماً ، يحل بدل المفهوم المنفي في الجملة الأولى، وتؤكد على أمرين مهمين ( ولكن رسول الله وخاتَم النبيين ) ، أحدهما : يرد على من قال بقطع نسب محمد( أبتر) ، وذلك من خلال توجيه المفهوم إلى قيمة استمرار حياة الأولاد الذكور ليصيروا رجالاً ، وهي استمرار ذكر اسم الأب، وحصوله على المنعة والقوة من خلال أبنائه الرجال ، فأتت كلمة (رسول الله)
لتثبت تحقق المقصد ذلك دون وجود أبناء ذكور ، وهو استمرار ذكر اسم النبي ورفع شأنه ، وحصوله على المنعة والقوة من خلال المؤمنين بدعوته ، فصار عملياً أباً روحياً للمؤمنين بدعوته ،وأتت كلمة ( خاتم النبيين ) لتدل على سبب عدم استمرار حياة الأولاد الذكور للنبي ، ونفي التبني عنه لأي ولد ذكر، وهو حتى لا يرث أبناؤه ( نسباً أو تبنياً ) مقام النبوة بعده ، أو مقام الخلافة الدينية، أو السلطوية، وبهذا يظهر لنا العلاقة المنطقية بين الجملة المنفية ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) وجملة الاستدراك ( ولكن رسول الله وخاتَم النبيين).
ومفهوم ( الخاتمية ) تحقق في حياة النبي ( فلم يبعث الله معه نبياً آخر ،مثل هارون مع موسى)، وبعد وفاته، فلم يتم بعثة نبي آخر ( لا تشريعي ، ولا تابع له )، ومضى على ذلك أكثر من ألف عام ، وما ينبغي أن نقصر ذلك المفهوم على مرحلة زمنية معينة، فالنص مستمر في دلالته، ومن الخطأ في الاستدلال أن ننفي نصف المفهوم (نبي تشريعي) ، ونثبت نصفه الآخر ( وجود نبي تابع )!، فإما أن نثبت كليهما ، أو ننفي كليهما ، ولا وجه للتفريق بينهما البتة !.
وافتراض صواب وجود نبي تابع ، كان ينبغي أن يأتي النص بصيغة ( ولكن نبي الله وخاتم الرسل ) ، فتتعلق صفة الختم بمقام الرسالة فقط ، وبالتالي لا مانع من بعثة نبي تابع للرسول !، ولكن عندما أتت ( خاتم النبيين ) أنهت أساس مقام الرسالة لاكتمالها ، كون مقام النبي سابق وأساس لمقام الرسول ، أما صفة الإشراف، والتعليم ،والدعوة،والتجديد والتحديث ، فقد انتقلت إلى الجنس الإنساني كونهم وصلوا إلى بدء سن الوعي والرشد ( أم أراد بهم ربهم رشداً ) وتحقق ذلك بدور العلماء وتفاعلهم مع القرآن ومحله من الخطاب بواسطة التفكير والعلم .( العلماء ورثة الأنبياء ) .
أما القول إن كلمة ( خاتم ) إذا أضيفت إلى الجمع على سبيل المدح ، فهي لا تعني إلا الأفضل والأحسن ).
فهذا ليس قاعدة لسانية ، أو قرآنية ، وإنما أسلوب بشري متساهل في استخدام كلمة ( خاتم ) في غير محلها من الواقع ، وينبغي العلم أن الإنسان مهما أوتي من بلاغة وعلم، لا يستطيع أن يستخدم الكلمة المناسبة في المقام المناسب بصورة تغطي كل صور دلالة هذه الكلمة في الواقع ، فالإنسان لا يخلو من عجمة في استخدام اللسان العربي ، والعمدة في ذلك هو القرآن والواقع، ويتم دراسة دلالة الكلمة من خلال استخدامها في القرآن ، ومعرفة دلالة أصل الكلمة فيزيائياً من خلال الواقع، وما المعاجم أو القواميس إلا أدوات مساعدة ،وليست برهاناً بحد ذاتها ، وكذلك الشعر والنثر وأقوال العلماء ، فكلها لا تخلو من عجمة وقصور في استخدام اللسان العربي .
- وافتراض انتفاء وجود أمثلة في التراث على استخدام الكلمة بدلالة معينة ، لا ينفي احتمالية وجود ذلك الاستخدام ، ولعله لم يصلنا لانتفاء تعهد الله بحفظ التراث ، كما أن انتفاء استخدام دلالة كلمة على وجه من الوجوه ، لا ينفي صواب استخدامها لاحقاً في المجتمعات الأخرى ، وكذلك انتشار وشيوع استخدام كلمة على دلالة معينة ، لا يدل على صوابها أو حصرها في هذه الصورة .
فمن المعلوم أن الناس تميل في حديثها إلى التساهل في استخدام الكلمات محل بعضها بعضاً ، وتعتمد على فهم المُخاطَب ، وأحياناً يبالغون في استخدام دلالة كلمات في خطاب المدح أو الذم ، وما استخدام كلمة ( خاتم ) للمدح إلا من هذا القبيل ، فلا يقصد أحد دلالتها الحقيقية ، التي هي الإكمال لعمل من سبق بصورة متصلة مع التصديق لهم،وتوثيقهم، وإنهاء هذا العمل حيث يكون هو الآخر فعلاً وفاعلاً.
وهذا لا ينطبق على النص القرآني ، فهو منزه عن التساهل في الخطاب،أو المبالغة ، أو استخدام كلمة محل أخرى، أو استخدام قاصر لدلالة كلمة .
لذا ، لا قيمة من الناحية البرهانية لأقوال ، أو استخدام الناس لدلالة كلمة ( خاتم ) بمعنى الأفضل أو الأحسن ، أو الزينة، قط ، ونحن علمنا بقصور استخدامهم من خلال إسقاط كلامهم على محله من الخطاب ، وعرفنا أن الرجل الموصوف ( بالخاتم ) ليس هو في الحقيقة مُكمّلاً لعمل من سبق ، وليس آخراً لهم ، فقلنا : إن قصد المتكلم هو المبالغة في رفع شأن هذا الرجل ، ولا يقصد دلالة كلمة ( الخاتم ) حقيقة ، فهذا استخدام متساهل وقاصر لدلالة الكلمات ، وخاصة أن الإنسان لا يخلو من عجمة في استخدام اللسان العربي .
فمن الخطأ أن نجعل القصور والعجمة قاعدة في دراسة دلالة كلمات اللسان العربي .
- إن الأحاديث النبوية التي لا تخلو من صحة في سندها إلى النبي قد استخدم كلمة ( خاتم ) بمعنى الاكتمال والآخر ، انظر إلى قوله : ( من قرأ خواتم سورة الكهف عصمه الله من فتنة الدجال ) وصفة الختم لهذه الآيات متحقق فيها الإكمال والإنهاء للسورة ، وصارت في واقع الحال هي آخرها . راجع مادة الحديث النبوي ، وابحث فيها عن كلمة ( خاتم ) وانظر إلى دلالتها ، فهي أقوى من الشعر ، وأسلوب المدح ، مع العلم أنها ليست برهاناً بحد ذاتها
- إن نص الإكمال ( اليوم أكملت لكم دينكم ) برهان على وصول المجتمع الإنساني إلى بدء سن الرشد والوعي ، ومقدرته على الاعتماد على نفسه في إدارة شؤون حياته وفق القرآن والعلم ، ولولا ذلك لما تم عملية الإكمال للدين ، والختم للنبوة ،فذلك تمَّ بناء على معطيات في الواقع البشري ، ولولا هذه المعطيات لما حصل الإكمال والختم ، وهذا اقتضى رفع الوصاية الإلهية المباشرة عن الإنسان .
سامر



رد هاني طاهر على إسلامبولي (5)الأستاذ سامر الاسلامبولي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله
يظهر لي من خلال رسالتك أن إحدى رسائلي السابقة لم تصلك، وهذا سببّ شيئا من سوء التفاهم بيننا. لذا فقد بعثتها لك للتو.
ما ذكرته في رسالتك الأخيرة عن كلمة الخاتم نقبله كله، حيث إنه ينطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره نبيا تشريعيا، أما أن يبعث الله خادما لهذا النبي فهذا ما لا تنفيه كلمة خاتم هنا.
وأكرر أن من معاني (خاتم) آخر.. ونحن نوافقك.
لذا فإن قولك: " فالنبي محمد هو خاتم الأنبياء ، وذلك يدل على وجود سلسلة من الأنبياء المتصلين مع بعضهم في المفاهيم ، والأفكار ، ليشكلوا بناء معيناً على أسس واحدة ، إلى أن شارف البناء على الانتهاء ، فتم بعثة النبي محمد ، وأكمل هذا البناء ، فكان بذلك العمل مُكمّلاً ، ومُنهياً لما تم الابتداء في بنائه سابقاً ، فحقق بهذه العملية التواصل مع من سبقه ، وحقق التصديق لهم ، والتوثيق لما نزل عليهم من الثوابت"
لا غبار عليه. لذا ،فإن القول ببعثة نبي بشريعة أخرى يتناقض مع هذا القول، وانتظار نبي من السماء ينسخ بعض أحكام الشريعة الإسلامية يتناقض مع قولك هذا أيضا.
أما ما نتحدث عنه فهو إمام مهدي يعيد الأمور إلى نصابها، ويؤكد على أهمية شريعة سيدنا محمد (ص)، ويكون قد وصل درجة النبوة من ناحية روحانية، وهو ليس بنبي مستقل، بل يمكن تسميته نبيا ظليا.. إنها درجة روحانية تحدثت عنها آية قرآنية بكل وضوح: (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)، فما دمت تؤمن بإمكانية وجود صديقين وصالحين وشهداء، فعليك أن تؤمن بإمكانية وجود أُناس يصلون درجة النبوة أيضا، لكنهم ليسوا بأنبياء مستقلين.. أكرر: إنها درجة روحانية وليس نبوة مستقلة.
الاستدراك:
بدأتَ في الموضوع بداية جيدة، ولكن حين وصلت نقطة الحسم قلتَ بلا دليل: "وأتت كلمة ( خاتم النبيين ) لتدل على سبب عدم استمرار حياة الأولاد الذكور للنبي ، ونفي التبني عنه لأي ولد ذكر، وهو حتى لا يرث أبناؤه ( نسباً أو تبنياً ) مقام النبوة بعده ، أو مقام الخلافة الدينية، أو السلطوية،"
فمن أين أتيت بهذا أخي الكريم؟ من قال إن ابن النبي لا بدّ أن يكون نبيا؟ ألم يكن بعض أبناء الأنبياء كفرة فجرة؟
ثم لو فرضنا جدلا أن ابن كل نبي لا بد أن يكون نبيا، حينها كان لا بد أن تكون الآية بهذا التعبير: (ولكن رسول الله لأنه خاتم النبيين) فهذا هو التعبير الذي يبين العلّة، وليس العطف.
أما قولك: "ولا وجه للتفريق بينهما البتة !&quo

dracola
Admin

عدد المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 27/01/2010
العمر : 39

https://wings.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى