dracola
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مشكلة الكونية في العلوم الإنسانية

اذهب الى الأسفل

مشكلة الكونية في العلوم الإنسانية Empty مشكلة الكونية في العلوم الإنسانية

مُساهمة  dracola الخميس يناير 28, 2010 3:20 pm

مشكلة الكونية في العلوم الإنسانية

1_ دلتاي و كانط في نقد العقل التاريخي: مشكلة الكونية، نموذج المعنى والدلالة
بالنسبة لدلتاي فإن هناك علاقة حيوية إنتمائية بين الذات و الموضوع (متغير إزاء متغير). و ذلك على غرار الفلسفة الكانطية (ثابت إزاء متغير). إذن بالنسبة للكانطية فإن العقل هو الضامن الوحيد للصلاحية العلمية، في حين أن دلتاي طرح مشكلة الوعي التاريخي و ليس العقل. و ذلك حينما تساءل لماذا الزمان عند كانط يتوفر على صورة قبلية في الحساسية، و بالرغم من ذلك لم يجعله علما من العلوم القبلية.
إذا طرح كانط مشكلة التاريخ، سيصبح أمام تغير الذات، لأنه طرح مشكلة المعرفة في ثبات الذات، و كانط مستعد للتضحية بجميع المعارف إلا مطلب ثبات الذات، بهدف الحفاظ على الكونية. و بالتالي فدلتاي طرح مشكلة التاريخ داخل علوم الروح (داخل الفهم). فالفهم الكانطي فهم ثابت و جامد ينطبق على جل المعارف، في حين أن الفهم عند دلتاي فهم متغير (وعي اختلاف معطيات الواقع). و بالتالي فإن هناك إمكانية لإيجاد علم إنساني مستقل عن الفيزيائية. لكن أليس تغير الذات أمام الموضوع عند دلتاي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الكونية؟
هدف دلتاي هو الحفظ على الكونية لكن في ظل تغير كل من الذات و الموضوع، في حين أن هدف كانط كان هو الحفاظ على الكونية في العلوم بالرغم من عدم إنتاجها لما هو مفيد و دقيق. أما دلتاي "مدرسة هيدلبرغ" فقد نتج معارف مفيدة-عن طريق حلقة الفهم- و تخلى عن الكونية، لكن في مرحلة دلتاي الثانية سيسعى إلى كونية العلوم، فكيف تم ذلك؟
للحديث عن مكانة المعرفة في العلوم الإنسانية ينبغي توضيح مشكلة الدلالة في علاقتها بنظرية السيمانطيقا المعاصرة. في هذا السياق يستشهد Wolfrag Hogrebe بانعكاس كانط حينما يقول:
«العام يجب بالضرورة أن يعطى في الخاص، فهو كذلك يستقبل دلالته».
معنى ذلك عند كانط أن الدلالة تتطلب قراءة التصورات الكلية في الأشياء الجزئية المحسوسة، بهدف الحفاظ على موضوعية الدلالة. في حين أن دلتاي يختلف في هذا المفهوم، إذ يسجل في كتابه مدخل إلى العلوم الإنسانية بأن دلالة التجربة يمكن أن تكون مختلفة و متغايرة. إننا نعمد إلى التجربة كما هي معطاة في كلية الوعي "التجربة المعاشة". فهذه الأخيرة عند دلتاي ليست حضور منتظم لخطوط مثالية للزمان، بل إنها بنية حضور تستوجب توجه ذاتي-مرجعي Auto-référentielle، إنها انعكاس قبلي. فالأنا الترنسندنتالي يفتقر إلى المعنى، و بالتالي فإن الوعي المنعكس هو الذي يملئ مضمونه. إذن فالمعنى عند كانط صوري خالص، في حين أن دلتاي قلب علاقة المعنى بالدلالة، ليدمج في مشروعه (لحظة إيبوخية) من أجل معرفة مركبةPortée لكل من المعنى و الدلالة (إعادة المعايشة). و بذلك فإن المعنى عند كانط معنى محدد، في حين أنه عند دلتاي معنى غير محدد ومادي، إذن فأفكار التأويل عند دلتاي ليست أصيلة Authentique بل إنها أفكار جديدة تجريبية تتأسس عبر الانعكاس. بمعنى آخر لأجل تحديد الدلالة ينبغي مع دلتاي أن نرتد إلى الروح الموضوعي أو العقل الموضوعي، إلى السياق المشترك و أن نرتد كذلك إلى الأنظمة السوسيوثقافية الأكثر خصوصية. و حينما تكون أنظمة السياق طبيعية ينبغي الرجوع إلى الاستعمالات اللغوية الخاصة بطابع كل عصر (الأنماط الاعتيادية للكاتب), آنذاك نفهم الآخرين أكثر مما يعرفون أنفسهم.
إذن إذا كانت دلالة التجربة عند كانط هي الوظيفة التركيبية التي تولد العام في الخاص، فإنها عند دلتاي وظيفة تحليلية تربط/تصل الكليات في وظيفة عناصرها الخاصة.

نادر العساوي

عدد الرسائل: 9
العمر: 23
تاريخ التسجيل: 21/04/2009










رد: مشكلة الكونية في العلوم الإنسانية
من طرف نادر العساوي في السبت يونيو 13, 2009 9:27 pm
2_ الرؤى الفلسفية للحياة:
بالنظر إلى تاريخ " رؤى" Outlooksالعالم، فإن هذه الرؤى ترتد إلى ثلاث أنماط رئيسية: الدين والفن والفلسفة، وبذلك فإن هذه الأنماط الثلاثة هي ما يشكل العلاقة الأساسية التي ترتبط بلغز الحياة والعالم.
فجوهر الدين يتمثل في اتصال الإنسان باللامرئي، ويتمثل جوهر الفن في الإبداع الخيالي اللامتناهي، أما جوهر الفلسفة فيتمثل في البحث عن المبادئ المطلقة.
الدين عنصر مشترك يربط الأفراد، _يقول ديلتاي_:
«يشير الدين إلى نسق يربط الأفراد ذوي النزعة الدينية بوصفهم أعضاء لكل واحد». "
فأساس التجربة الدينية يكمن في الاتصال باللامرئي الذي يحدد أهداف وقواعد الفعل، وهذا الاتصال قد أخذ صور مختلفة عبر التاريخ، إذ يمكن العودة فيه إلى المجتمعات البدائية حيث كان الاعتقاد والممارسة مرتبطين معا باستمرار، كالاعتقاد مثلا أن الطبيعة تزخر بالكائنات الروحية وهي بذلك تؤثر على الإنسان فيعمل جاهدا على مقاومتها بالسحر والعبادة والصلاة.
أما الصورة الثانية، فتتمثل في وجود علاقة باطنية بين النفس البشرية والإله_خاصة في شعوب الشرق_ وبذلك نشأ سلوك جديد في شكل مشاركة دينية عند هؤلاء باعتبارهم مجموعة واحدة، وقد وجدت القوة الباطنية للروابط في هذه المجموعة تعبيرا ملائما في اللغة الرمزية للدين.
يشير ديلتاي إلى أن الرؤية الدينية هي التي تمهد الطريق إلى الرؤية الفلسفية، فهناك قضايا انتقلت من أوغسطين إلى ديكارت، وهناك معتقدات انتقلت من الصوفية إلى كوسا ثم إلى برونو وإلى ديكارت و ليبنتز، كما أن المفاهيم المنطقية والميتافيزيقية للاسكولائية كان لها أثرها على ديكارت و اسبينوزا و ليبنتز. الأمر الذي يجعل أنماط الرؤية الدينية وأنماط الرؤية الفلسفية ترتبط ارتباطا وثيقا.
هذا الارتباط، ترتب عنه نشوء صراع بين الفلسفة والدين_خصوصا في القرن السابع عشر_، والسبب في ذلك هو تقدم العلوم الطبيعية، حيث اتجهت الفلسفة هي الأخرى تبحث عن قانون العقل وبدأت تأخذ عن العلوم الطبيعية اهتمامها بالمعرفة الكلية.
وكان من نتائج هذا الصراع أن ظهرت فلسفة جديدة للدين من أمثال شلايرماخر وفريز ونوفاليس في عودتهم إلى الخبرة الدينية.وأعيد كذلك فهم التصوف الذي كان مرتبطا بالتقاليد المسيحية -فرانسوا و ايكهارت_ و بالاندماج والإتحاد مع الله، إلى أن أصبح حرا يعتمد على الشعور الدائم الذي توجهه العلاقة مع الوحدة اللامرئية للأشياء، وهذا هو مطلب المدرسة الرومانسية، إذ أصبح الدين شعور إلى كائن لا متناهي-.
إذا كان جوهر الدين هو اتصال الإنسان باللامرئي، فإن الفن يحاول فهم الحياة عن طريق الحياة نفسها، فالفن يجد معنى الحياة في أفكار وعواطف وأهداف الموجودات البشرية وفي العلاقة التي ترتبط بها هذه الموجودات. الفن الذي يقصده ديلتاي هو الشعر، لما له من قدرة -يقول ديلتاي-:
« على التعبير عما يبدو في عقول الآخرين وعن الموضوعات الخارجية وعن الحياة الداخلية وعن القيم... » ".
يقول أيضا:
« فالشعر يرفع شعور القارئ بوجوده الإنساني، فهو يتيح له النظرة في عالم أعلى وأكثر قوة» ".
فالشعر يرى في الحياة علاقات مثالية ويجعل من المتعدد وحدة أو يربط الأجزاء في كل واحد منظم. –و ديلتاي متأثر بجوته لأنه كان يهدف إلى فهم الواقع، وكان منهجه هو العملية الحدسية التي تربط الأجزاء بالكل-.
والرؤية الشعرية هي الأخرى تمهد الطريق إلى الرؤية الفلسفية، فهو الذي مهد الطريق إلى التفكير الفلسفي عند اليونان، وتجديده في عصر النهضة.
دلتاي في هذا الصدد قارئ لهايدغر وكذلك شلايرماخر:بالنسبة لهايدغر فاللغة التي تعاملت مع الوجود لأول مرة كانت لغة شعرية، على اعتبار أنها قادرة على قول كل شيء في دفعة واحدة، ولغة الشعراء هي وحدها قادرة على استخراج المعنى وراء كل موجود، وهو معنى لامتناهي حيث جاء على لسان هايدغر في 'هولدرلين وماهية الشعر' "غني بالمزايا هو الإنسان لكنه يحيى على هذه الأرض شعريا " ويقول أيضا "وهناك فحسب حيث توجد لغة، يوجد عالم ".وهو الأمر ذاته الذي ذهب غليه شلايرماخر ، بداخل الشعر تكمن النظرة الموضوعية إلى نظام العالم.
أما الفلسفة، فإن ماهيتها لا تتحدد عند دلتاي إلا من خلال تحليل الطرق المختلفة التي تجلت عبرها في التاريخ. فالرؤية الفلسفية تختلف عن الرؤية الدينية من حيث أنها كلية ويقينية، وتختلف كذلك عن الرؤية الفنية من حيث أنها تبحث عن إصلاح الحياة. بذلك تكون مهمة الفلسفة هي البحث عن المطلق، وهي مهمة تفوق قدرة العقل البشري. إذن كيف أمكن للفلسفة أن تبحث في المطلق، مع العلم أن المعرفة عند دلتاي تبدأ بالتجربة ؟
الفلسفة في نظر دلتاي تشبه التحليل النفسي، لأنها تحاول النفاذ إلى ما وراء اعتقادات الشعوب وإلى ما وراء سطح السلوك..و تحاول أن تجمع الصراعات الداخلية في رؤية-التعدد هو إحدى سمات الحياة-و إذا أردنا أن –يقول دلتاي-:
«يكون لدينا فهم لأنماط الرؤى الخاصة بالعالم يجب علينا أن نتجه إلى التاريخ، فهو يعلمنا بصورة جوهرية أن نفهم العلاقة بين الحياة والميتافيزيقا وأن ندخل الحياة التي تكون محور جميع الأنساق وأن نكون على وعي باتصالها». "
هناك تشابه بين دلتاي و هيجل من حيث أن المذاهب تقوم على الاتجاهات والنظريات تقوم على التجربة، وكذلك أنه وراء التتابع التاريخي للأنساق الفلسفية، يستطيع العقل البشري أن ينقد التفسيرات المتعددة للحياة والعالم.
إذن، الفلسفة هي ما يبحث عن اليقين الكلي، ومن حيث أنها نظرية للمعرفة فهي علم. ففي مجال التأمل الكوني ترتبط الفلسفة ارتباطا قويا بالعلوم الجزئية، فهي تقوم بتوضيح مناهج العلوم، وهي بذلك تقوم بربط المفاهيم المنظمة لهذه العلوم. ترتبط الفلسفة كذلك بالعالم العملي وبمثله ومنظماته، وظيفتها مغروسة في بناء المجتمع من حيث أنها وظيفة منتظمة في أشخاص عديدين تربطهم في اتصال تاريخي واجتماعي، بهذا المعنى فإنها تكون نسقا حضاريا. والروح الفلسفية تنبثق من التأمل في سلوك العقل، وفي النموذج الداخلي وفحص ما يبدو غامضا في الإنسان من مثل الغريزة، السلطة، الإيمان..فالروح الفلسفية توجد حينما يعاد فحص قيم الحياة و المثل...



3_ التأويلية الكونية بين شلايرماخر و دلتاي
أ‌) فريدريك شلايرماخر
يذهب شلايرماخر إلى أن التأويل فن يهتم بطريقة الاشتغال على النصوص بتبيان بنيتها الداخلية و الوصفية و وظيفتها المعيارية و المعرفية، و البحث عن الحقائق المضمرة في النصوص و ربما المطموسة لاعتبارات تاريخية و أديويلوجية. هكذا حاول أن يجد تأصيلا منهجيا لعملية تأويل النصوص. و هو يؤسس نظريته على مقولة هامة تتمثل في الفهم. و بذلك لم تعد الهيرمنوطيقا تأويلا للنصوص سواء كانت مقدسة أم مدنسة و إنما أصبحت تقنية في الفهم. تبعا لذلك قام شلايرماخر بتحويل السؤال من ما معنى النص الذي كان مسيطرا على الهيرمنوطيقا الكلاسيكية إلى ما معنى الفهم. هذه الخطوة يصفها بول ريكور بأنها انقلاب كوبرنيكي أولى في تاريخ الهيرمنوطيقا على غرار الانقلاب كوبرنيكي الكانطي في نظرية المعرفة.
لاحظ شلايرماخر أن سوء فهم خطاب معين هو الذي يولد الحاجة إلى الفهم هكذا أسس على ظاهرة سوء الفهم نظريته الهيرمينوطيقية. الهيرمنوطيقا ستصبح كمنقذة من سوء الفهم الذي يتربص بنا في كل لحظة و منذ بداية عملية الفهم. فمهمة الهيرمنوطيقا لا تنحصر عندما يصبح الفهم غير مؤكد بل من اللحظة الأولى لكل مسعى يرغب في فهم خطاب ما. هكذا يقلب شلايرماخر النظرة الساذجة للهيرمنوطيقا الكلاسيكية التي كانت تعتبر أن حسن الفهم هو الحالة العادية، و هو ينتج من تلقاء نفسه، بينما الحالات الخاصة هي سوء الفهم:
«إننا نفهم بكل سهولة و كما ينبغي عندما لا نتعثر بمعيق معين أو ببعض تجليات الإحباط». حيت يؤكد شلايرماخر أن الهيرمنوطيقا الكلاسيكية تذهب إلى اقتراح أحكام عامة لتوضيح الفقرات المظلمة و غير المفهومة في النصوص. الهيرمنوطيقا التقليدية تتميز بما يسميه شلايرماخر بالفهم الطبيعي الذي يحصل بطريقة غير علمية و بدون مراقبة. أما هو من جهته يحاول صياغة ممارسة صارمة بمنهجية دقيقة لعملية الفهم و استقصاء المعنى.
الهدف الأسمى لهيرمنوطيقا شلايرماخر هو أن نقوم بتوجيه عبارات المؤلف إلى المعنى الموجود فيها. «نبحث أن نفكر كما كان يريد الكاتب أن يعبر عنه». لكن لا يمكن أن يتأتى لنا ذلك لا عن طريق الهيرمنوطيقا التي ستصبح معه منقذتنا من سوء الفهم الذي يتربص بنا في كل لحظة. هذا هو السبب الذي يجعل على الفهم أن يتتبع تقنيات مضبوطة في كل الفنون المعقدة. «العمل الهيرمنوطيقي لا يجب أن يتدخل عندما يصبح الإدراك غير مؤكد, و لكن عند الانطلاقة الأولى لكل مسعى يريد فهم خطاب ما»
من خلال هذا الانقلاب الكوبرنيكي الذي أقامه شلايرماخر في الهيرمنوطيقا, و الذي يكمن أساسا في تأكيده على أن سوء الفهم يتربص بنا باستمرار و لا يمكن أبدا أن نقوم بإقصائه؛ بل أكثر من ذلك تأكيده عل أن سوء الفهم ينبع من الفهم ذاته. قام بالتوحيد بين الهيرمنوطيقا و الفهم حتى أصبح هذان المصطلحان مترادفين حاليا. فقد أخذت الهيرمنوطيقا على يده شكل إعادة تشييد النصوص و البحث عن المحتوى القادم من سوء الفهم. فهو يقول:
«أستطيع أن أعيد تشييد معنى الخطاب من أعماق كل أجزائه, كما لو كنت أنا كاتبه. لكن ليس المعنى الذي نتأوله ثم نضفيه على الأشياء. و لكن المعنى المعطى في رأي المؤلف و الذي يجب إعادته كما هو, هو الذي ينبغي الحث عنه. فمن مقتضيات العدل أن ننصف الموضوع الخاص بالتأويل».
تلك هي وظيفة الهيرمنوطيقا كما حاول شلايرماخر أن يحددها. « أن نفهم الخطاب أولا بشكل جيد, بل أحسن من كاتبه». فكل خطاب يتأسس على فكرة داخله. و هذا يعني أن السبيل الوحيد للفهم هو إعادة توجيه معنى الخطاب ، و لا يمكن أن يتم ذلك إلا بواسطة اللغة، التي لا يمكننا النظر إليها إلا بطريقتين: من جهة مجموع المصطلحات المستعملة من طرف جماعة معينة، فكل تعبير مسبق لابد أن يحتوي على تركيب موجود بشكل قبلي. بمعنى المواضعة. التي لها استعمال موجود بشكل مسبق يجعل للغة أبعادا تتجاوز الفرد. و من جهة ثانية, اللغة مرتبطة بروح الفرد. فحسب هذا المنظور الذي يتجاوز النحو, اللغة هي فعل مرتبط بالفرد الذي يريد التعبير. فالناس لا يفهمون دائما نفس الشيء بالنسبة لنفس الكلمات. ولذلك كانت الهيرمنوطيقا عنده تنقسم إلى نوعين يعملان على مهام محددة كذلك: هيرمينوطيقا نحوية و أخرى تقنية أو سيكولوجية. المقاربة النحوية تدرس اللغة بدلالة الاستعمال الكلي اللساني عند جماعة معينة، فهي تحاول شرح التعابير في إطار عام عند جماعة لسانية موجودة. أما المقاربة السيكولوجية فتدرس الموضوع كمهارة فردية يبرزها الكاتب في نصه، عن طريق الإعتماد على بيوغرافيا المؤلف و حياته العامة و تطوره الفكري، و المحفزات الذاتية التي دفعته للكتابة، و ذلك من أجل سبر ذاتيته.
هكذا يكون النص مع شلايرماخر وسيطا بين أفكار المؤلف والقارئ. سمي شلايرماخر التأويل الأول تأويلا موضوعيا لأنه يهدف إلى تبيان خصائص الكاتب اللسانية الموضوعية، و سلبيا لأنه يعين على إبراز حدود الفهم فقط، لا تبالي قيمته النقدية إلا بالأخطاء التي تتعلق بمعنى الكلمات. و يسمى التأويل الثاني إيجابيا لأنه يبلغ فعل الفكر الذي ينتج الخطاب. إلا أنه في النصوص شلايرماخر المتأخرة استطاع التأويل الثاني أن يتغلب عن الأول و أكد الطابع التخميني فيه للتأويل عن الطابع النفسي.
هذان الجانبان الموضوعي و الذاتي أو اللغوي و النفسي بشقيهما التاريخي و التنبئي هما اللذان ينقلان الصيغ الأساسية لفن التأويل عند شلايرماخر و بدونهما لا يمكن تجنب سوء الفهم. إن مهمة الهيرمنوطيقا هي فهم النص كما فهمه مؤلفه بل أحسن مما فهمه مبدعه. فالنص عبارة عن وسيط لغوي موضوعي ينقل فكر القارئ إلى المؤلف. فهو يشير في جانبه اللغوي إلى اللغة كما تمتلكها الجماعة, و في جانبه الفكري إلى نفسية المؤلف. إن اللغة عند شلايرماخر هي التي تضمن كونية الهيرمنوطيقا, ذلك أنها كما يؤكد غادامير وسيط محايد, و العلاقة بين الجانبين -الغوي و النفسي- علاقة جدلية لا يمكن فصل أحد أطرافها عن الآخر. و كلما تقدم النص في التاريخ كلما زاد سوء فهمنا له و صار غامضا بالنسبة لنا. لذلك يؤكد شلايرماخر على ضرورة قيام علم ينقدنا من سوء الفهم هذا. إلا أنه رغم كون شلايرماخر قد بين الجانبين كنقطة بدء لفهم النص. فإنه يعود ليلمح إلى أنه يفضل البدء بالجانب اللغوي أي التحليل النحوي باعتباره البداية الطبيعية. هذا الأمر يقود إلى مفهوم الدائرة التأويلية, التي يعتبرها غادامير وليدة فن الخطابة إلا أنه تم نقلها في العصور الحديثة إلى فن الفهم . و الذي يعني أنه لكي نفهم العناصر الجزئية في النص لا بد أولا أن نفهم النص في كليته. و لكن هذا الفهم للنص في كليته لابد أن ينبع من فهم العناصر الجزئية المكونة للنص. هذا يعني أننا نسقط فيما يشبه الدور المنطقي الذي تعتبر مفارقة الكذاب أحسن نموذج له. إننا في دائرة لانهائية, يسميها شلايرماخر بالدائرة الهيرمينوطيقية, هذا ما جعله ينظر إلى عملية تأويل النصوص المكتوبة نظرة حوارية. فإذا أردنا فهم النص يجب أن نطرح عليه أسئلة و أن ندخل في حوار معه. و علينا أن نتجاوز فيتيشية الكلمات و أن نقرأ ما بين السطور. فكل كلمة كتبت في حد ذاتها دعوة للتساؤل.
هكذا بدأت الهيرمنوطيقا عند شلايرماخر تأخذ شكل تقنية, أي مجموعة من المعايير المضبوطة التي ستجعل في النهاية الهيرمنوطيقا كعلم. شلايرماخر وضع مجموعة من القواعد و القوانين التأويلية بالخصوص في الجانب النحوي للهيرمنوطيقا إلا أنه سيظل دائما مدركا لغياب قواعد تطبيق القواعد نفسها, بهذه نجد شلايرماخر يتصور الفرد كمعطى نهائي كامل. حيث يؤكد أنه علينا تذوق الأعمال الأدبية الكبرى كما تذوقها صاحبها. فالهدف الأساسي و الأخير بالنسبة له هو الولوج إلى الأفكار الداخلية للكاتب .
رغم الانقلاب الكوبرنيكي الذي أحدثه شلايرماخر في الهيرمنوطيقا لتكون فنا مستقلا بذاته عن المجالات الأخرى. فإنه بقي أسير الفكر الأنواري و النظرة الكلاسيكية التي تعتبر أن أي نظرية علمية لا بد أن تكون مرتبطة بقواعد صارمة, حتى تضمن موضوعيتها و كونيتها. مما أدى به إلى وضع هذه القواعد فأدى به الأمر إلى إهمال المسافة الزمنية بين القارئ و المؤلف. هذه المسافة التي يؤكد عليها غادامير و يعتبر أنها لا يمكن تخطيها أبدا. فهو يطالب القارئ أن يحل مكان المؤلف لإعادة تشييد خطابه انطلاقا من التجربة الخاصة بالمؤلف. و بالتالي على القارئ تخطي أفقه التاريخي. كما أن رومانسيته تبقى واضحة حينما نظر إلى النص كتعبير عن أفكار المؤلف.

ب‌) فـلـهـلـم دلـتــاي
قام دلتاي بتأسيس تمييز بين الفهم و التفسير بذلك اتجهت إشكالية الفهم اتجاها آخر, نحو ربط المسألة الهيرمينوطيقية بالميتودولوجيا و الإشكال الإبستيمولوجي. فإذا كان شلايرماخر قد اهتم نسبيا بالمسألة المنهجية في فكره الهيرمنوطيقي إلا أنه لم يقم بالربط بين هذه المسألة و إبستيومولوجية العلوم الإنسانية. فقد حاول دلتاي تأسيس العلوم الإنسانية على نظرية دقيقة تجعلها لا تسقط في الغزو المنهجي للعلوم الدقيقة التي تهتم بالظواهر الطبيعية, على إثر النجاحات التي شهدتها هذه الأخيرة. فحاول إيجاد نقطة مركزية تعتمد عليها العلوم الإنسانية تسمح لها بأن تضمن كونيتها.
يعترف دلتاي بأن كل معرفة لا تكون مستقاة إلا عن طريق التجربة لكن التجربة وحدها لا تكفي. فهي لا يمكن أن تأخذ تماسكها و صلاحيتها إلا من خلال البنى التي توجد بشكل قبلي في وعينا. يمكننا القول أن ما أراد دلتاي تأكيده هو أن فكرنا هو الذي يعطي للأشياء نسقا و نظاما و شروطا للصلاحية, و إن كان كل شيء يكون قادما من التجربة. هذا يعني أنه علينا البحث في التجربة الداخلية على شروط الموضوعية. بهذه الفكرة حاول دلتاي قطع الطريق على الوضعانيين الذين اعتبروا أن الخلاص الوحيد للعلوم الإنسانية هو تطبيقها المنهج التجريبي أسوتا بعلوم الطبيعة. لقد اعتبر أن التفكير العميق بواسطة السيكولوجية هو وحده القادر على تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية. و هو بذلك حاول تأسيس سيكولوجية لها, لا تهتم بالتفسير و إنما بالفهم. مستندا إلى التمييز الهام الذي أقامه لأول مرة درويسن G. Droysen في دراسته حول فكرة سيكولوجيا الفهم. فالتفسير هو البحث في الظواهر بردها إلى مسبباتها المباشرة, أما الفهم هو الإحاطة بالظاهرة بكليتها من خلال تفكيك دلالات العلامات التي تنشئها بنفسها. بهذا يكون الفرق الأساسي بين العلوم الإنسانية أو علوم الروح و العلوم الطبيعية من حيث المنهج هو أن الأولى تتخذ التفسير كمنهج لها. أم الثانية فتتخذ الفهم. كما أن الأولى مادتها معطاة و بالتالي غير مشتقة من أي شيء خارجها أما العلوم الطبيعية فمادتها مستقاة من الطبيعة. فالعالم النفسي التفسيري يحاول تفسير حياة النفس عن طريق عدد من العناصر المعينة و بشكل أقرب إلى الطريقة الكيميائية. إنه كمن يحاول تحديد وظائف النفس عن طريق استعارة تفاعل عناصر بسيطة. ففي العلوم الطبيعية لا يوجد هناك أشياء داخلية علينا استكشافها. و من ذلك حاول دلتاي تأسيس علم نفس فهمي لا يهتم بالعناصر المحددة التي قد لا تثير اهتمامنا و بالكاد تكون مرئية, بل بمجموع الظروف و الملابسات التي تحيط بالحياة كالتي تكون حاضرة مباشرة في إحساسات المعيش. عوض أن نقوم بشرح الظواهر المتعلقة بالنفس و اختزالها إلى العناصر النفسية أو حتى السيكولوجية. يقول دلتاي:
«تتميز علوم الروح عن العلوم الطبيعية في كون هذه الأخيرة يكون هدفها هو وقائع تمثل بالنسبة للوعي كظواهر معطاة مسبقا و معزولة ... في المقابل نجد في علوم الروح ظواهر نفسية داخلية. إننا نفسر الطبيعة لكننا نفهم الحياة النفسية, إن الطرق التي تمكننا من دراسة الحياة النفسية, مختلفة تماما عن تلك التي تقودنا إلى معرفة الطبيعية».
بذلك يميز دلتاي بين نوعين من التجارب: الأولى هي التجربة المعاشة و التي نجدها في علوم الفكر و العلوم الإنسانية و الثانية هي التجربة العلمية التي محورها الظواهر الطبيعية. فالتجربة بمفهومها الإبستيمولوجي تعني تكرار المعطيات و النتائج لأجل الوصول إلى تنظير متفق عليه. بينما التجربة المعاشة في طابعها التاريخي و الجدلي نجدها تجربة لا تتكرر و غير قابلة لذلك. فلا يمكن معايشة التجارب السابقة بنفس المقاصد و الدوافع. لذلك فإن الطابع التجريبي للعلوم الإنسانية لا يتجلى في التكرار. بل هذه العلوم متجذرة في تجارب الممارسة التاريخية إذ المؤرخ أكثر إدراكا لتجربة التاريخ من الذين عايشوا تلك الأحداث «لا يقوم المؤرخ في تفكيره حول الأحداث سوى بتعميق ما فكر فيه في تجربة الحياة» التجربة المعاشة تعني ما هو معطى مباشر للوعي الفردي, إنها تطرح موضوعاتها في إطار الإدراك المباشر للوعي, فهي مجموع الممارسات و المقاصد المتوجهة نحو الموضوع المعطى. و التي تنظم حولها حياة الفرد بحيث لا يحيا هذا الأخير في العالم و إنما يحيا العالم كعلاقة و انتماء جذري. إن الفرد لا يمكنه أن يدرك تجربته الخاصة إلا على ضوء إدراك حياته كلها هذا الإدراك الذي هو عبارة عن تأويل حيوي و فعال لتجاربه المعاشة. هكذا فإن فلسفة دلتاي المتميزة هي رؤية فريدة للحياة، حياة الفرد و تجاربه المعاشة. بالتالي فإن عملية فهم الذات لا يمكن أن تتم إلا من خلال تلك التجربة.
إن أهمية دلتاي هذه هي التي دفعت فيلسوفا تأويليا آخر و هو بول ريكور ينظر للتمييز دلتايي السابق بين علوم الطبيعة و علوم الروح على أنه إحدى أهم لحظات تحول الهيرمنوطيقا. فهو يعتبر أن دلتاي يقع في المنعطف النقدي للهيرمنوطيقا, حيث أصبحنا بعد ذلك و عوضا من أن نطرح: كيف نفهم نصا ما, انتمى إلى الماضي؟, صار السؤال المحوري الآن, هو كيف نتصور تسلسلا تاريخيا؟ و قبل انتظام نص معين يأتي انتظام التاريخ باعتباره وثيقة الإنسان الكبرى و أهم تعبير للحياة. بذلك استطاع دلتاي نظم الصلة بين الهيرمنوطيقا و التاريخ, و استطاع أن يجد أساسا كونيا للعلوم الإنسانية, فأصبحت التاريخانية تهتم بالتسلسل التاريخي الذي يحمل آثار الإنسان الفنية و العقلية. هكذا طرح دلتاي سؤالا أساسيا و هو كيف يمكن أن تكون المعرفة التاريخية ممكنة؟ هذا السؤال يقودنا بالضرورة إلى عتبة التعارض الكبير بين فهم الفكر و شرح الطبيعة. بهذا يمكن اعتبار أن دلتاي قد طور الجانب النفسي لهيرمنوطيقا شلايرماخر التي تناقش المشكلة الأخرى للفهم و ذلك في محاولة نقله للآخر. بمعنى أن التأويل الذي كان مرتبطا فقط بالنصوص المكتوبة, أصبح الآن مرتبطا أكثر بمجالات الحياة النفسية الذاتية و الأخرى الأجنبية. و أصبح التأويل الأول مجرد جزء بسيط من مجال الفهم الأكثر اتساعا, و الذي يهتم بالحياة في شموليتها. الحياة في نظره لا يمكن تأويلها إلا بصورة غير مباشرة عن طريق العلامات التي تمثل تجسيدا لها و تعبيرا عنها كالفن و الدين و الفلسفة… لهذا فإن كل معرفة عند دلتاي هي معرفة تاريخية تبقى راسخة في الذهن. و من ذلك فإن دلتاي قد قام بإنزال الفكر في مفهومه الهيجلي من السماء المتعالية على التاريخ؛ فهو يتجاوز المعرفة المطلقة و المتعالية على التاريخ ليقرر معرفة تاريخية و متجذرة في تجربة الحياة. كل من الدين, الفن و الفلسفة و العلم و المنطق.. هي عبارة عن تجارب حيوية و استعمالات تعبر عن الطابع الخلاق للفكر و تجليات الحس التاريخي.
إن تجربة الحياة عند دلتاي أو التجربة المعاشة هي الأساس الذي تقوم عليه المعرفة في العلوم الإنسانية و الشرط الذي لا يمكنها تجاوزه. و طالما أن هناك مشتركا بين البشر فإن التجربة تصبح هي الأساس لإدراك موضوعي قائم خارج الذات. فإن هذا الموضوع في العلوم الإنسانية خاصة منها التاريخ يحمل تشابهات من ملامح التجربة الإنسانية الأصلية عند الذات المدركة. بهذا قام دلتاي باكتشاف "الأنا" في "الأنت". و إسقاط الذات قي الآخر, عن طريق التعبير. إن التعبير في نظره هو الذي يعطي للتجربة موضوعيتها, و يجعلها تجربة تتمتع بشروط الصلاحية الكونية, فهو يحولها من حالة ذاتية أو تجربة داخلية معاشة إلى حالة خارجية موضوعية و كونية, يمكن المشاركة فيها بالنسبة لجميع الذوات. إن التعبير عند دلتاي ليس تدفقا عشوائيا للمشاعر و الانفعالات بالمعنى الرومانسي للكلمة بل هو تحديد موضوعي لعناصر التجربة. هذا التحديد هو الذي يعطي للعلوم الإنسانية موضوعيتها و يبتعد بها عن الذاتية التي يتهمها بها الوضعيون. فتجربة المبدع تتجاوز إطار ذاته و تعبر عن تجربة الحياة في كليتها عن طريق وسيط موضوعي هي اللغة في مجال التعبير الأدبي. دلتاي يعتبر أن التعبير عن تجربة الحياة يأخذ أعلى أشكاله في الفن عموما و الأدب خصوصا. إن الفرق في نظره بين التجربة في الفن و الأدب و التجربة في الفكر و الفعل الإنسانيين هي أن الأولى تعبير عن تجربة الحياة المعاشة, بينما الفكر و الفعل يعبران عن تجربة الحياة عامة.
على ذاك الأساس كان التأويل فنا للفهم مطبقا على النصوص و الوثائق و الآثار كتعبير عن الحياة المعيشة. من هنا كان فهم الآخرين ممكنا من خلال تعبيراتهم عن أنفسهم و حياتهم الفكرية و التاريخية و النفسية, من علامات و رموز و أشكال إبداعية و فنية قابلة للتأويل. لذلك وجد دلتاي في تقييد مظاهر الحياة بالكتابة ما يضمن صفة الموضوعية التي تسم التأويل الهيرمنوطيقي عامة. فالتأويل بهذا الاعتبار يغدو عند دلتاي المنهج الأساسي لعلم التاريخ و علوم العقل كلها. فالكانطية الجديدة التي كان دلتاي ينتمي إليها تعتبر الفرد محور العلوم الإنسانية. فهو و إن كانت له علاقة اجتماعية يبقى في الأصل كائنا فرديا. لهذا و جدت علوم العقل في علم النفس علما ضروريا باعتباره يهتم بالفرد الفاعل في المجتمع و في التاريخ. هكذا اعتبر دلتاي الفهم ليس مجرد نشاط لغوي و إنما هو القدرة على التسرب داخل نفسية الآخر. من ذلك يعرف دلتاي للهيرمنوطيقا بأنها «فهم الكاتب أحسن مما فهم ذاته».
بناء على فهم العمل الأدبي كتجل للحياة يرفض دلتاي أحادية المعنى في النص أو المعنى الثابت. سواء كان هذا النص تاريخيا أم أدبيا, فالمعنى عنده يقوم على مجموعة من العلاقات. إننا نبدأ في العمل الأدبي بتجربتنا الذاتية في لحظة تاريخية معينة, تحدد لنا المعنى الذي نفهمه من العمل في هذه اللحظة من التاريخ. إلا أن تجربتنا نفسها تتغير و قد تكتسب أبعادا جديدة, هكذا يبقى النص منفتحا على تجاربنا. فبعد كل تجربة جديدة نعيشها قد نغير من فهمنا لمعنى نفس النص أو الأثر الفني أو الحدث التاريخي. هذا الأمر يحيلنا إلى الدائرة الهيرمينوطيقية التي نجدها عن شلايرماخر. و لكن من خلال نظرة نيوكانطية. المعنى في الأدب و التاريخ حسب دلتاي ليس شيئا موضوعيا و لكن في نفس الوقت ليس معنى ذاتيا محضا. إنه في حالة تغير و تبدل مستمر بين المؤوِّل و الموضوع المؤوَّل. هذه العلاقة تكون دائما متغيرة حسب الزمان و المكان. هكذا نجد أن دلتاي يعتمد على ما سبق أن أشرنا به عند شلايرماخر خلال تطرقنا لإشكالية الدائرة الهيرمينوطيقية أو العلاقة بين الجزئي و الكلي. و ضرورة فهم كل منهما في ضوء دائرة لا تنتهي. إلا أنه يوسع مفهوم الجزء و الكل ليشمل الحياة كلها. فتجربة جزئية في حياتنا تكتسب معناها من خلال تجربة الحياة برمتها. لكن ليست التجربة الكلية لحياتنا إلا مجرد حصاد لتجاربنا الجزئية. و لما كانت الحياة عند دلتاي مرتبطة أشد الارتباط بالنص, فمن البديهي أن يكون المعنى متغيرا من خلال تجربة المفسر باعتباره بداية الفهم, سواء في الأدب أو التاريخ.
هكذا يمكن القول, أن دلتاي قام بعمل هام في مجال تاريخ الهيرمنوطيقا لما أكد على تجربة الحياة الخاصة بالقارئ و تأثيرها في المعنى. لكنه في المقابل ضحى بذاتية المؤلف لما لم يعطيه أهمية تذكر في دائرته الهيرمينوطيقية. فبقي المعنى أسير تجربة القارئ الكلية و تجربته الذاتية. و ذلك في محاولته الحفظ على الخاصية الكونية للتأويل و لعلم النفس خاصة و العلوم الإنسانية عامة. لقد استطاع دلتاي أن يؤثر في جميع الفلاسفة اللاحقين عليه. خصوصا في مجال الهيرمنوطيقا و فلسفة التاريخ.

dracola
Admin

عدد المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 27/01/2010
العمر : 39

https://wings.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى