هيغل: الانسان لا يولد حرا وانما يأتي العالم مع امكان ان يصير حرا
هيغل: الانسان لا يولد حرا وانما يأتي العالم مع امكان ان يصير حرا
هيغل: الانسان لا يولد حرا وانما يأتي العالم مع امكان ان يصير حرا
الشرائح الاجتماعية التي تمتلك قوة السلطة، او قوة المال، او قوة الافكار تسمي النخبة. وهي بهذه القوي تؤثر في حياة الناس علي كل المستويات. و المثقفون هم الشريحة التي تستمد مكانتها من قوة الافكار.
ما هو المثقف ؟ كيف تشكل دوره؟ ما هي وظيفته؟
هذه ليست اسئلة اكاديمية مفصولة عن الناس، او بعيدة عن مجريات حياتهم، بل هي ترتبط اوثق الارتباط بحياة البشر، مخاوفهم، همومهم، تطلعاتهم ـ ومصيرهم بالجملة.
و القدس العربي ، اذ تنشر هذه الدراسة المستلّة من كتاب (الانسان والفكرة) للزميل احمد المهنا، فانها تجدد التأكيد علي راهنية المسألة الثقافية، واهمية دور المثقف، كما تذكّر بأن احد الاسباب الرئيسية لـ انسداد الافق في العالم العربي، يرتبط بـ قوة الافكار التي هي ميدان عمل المثقف .
وبعد نشر هذه الدراسة، نتلوها بنشر مثال تطبيقي ، لكاتب آخر، عن سيرة حياة احد اعلام الثقافة في الازمنة الحديثة. فتنتقل بذلك مقاربة الثقافة من النظرية الي التطبيق، او من التجريد الي التجسيد، او من الغابة الي احد اشجارها المتعينة، المحسوسة، الباسقة، كثيرة الثمار و… الأشواك.
المثقف والجمهور
يعرف ييتس الفن بأنه الفعل الاجتماعي لانسان منعزل . ويصح هذا التعريف علي كل عمل ثقافي، من زاوية العلاقة بين المثقف والناس. ان عزلة المثقف تتلاشي ما ان يقرب أداته من العمل. ففي هذه اللحظة يكون فعله الاجتماعي قد بدأ. لقد قاد كانط وهيغل ملايين من الناس لم يقرأوا لهما سطرا واحدا، ولم يعلموا انهم انما ينفذون توجيهاتهما [1] . وقبل أكثر من قرن ونصف قال الشاعر الألماني هاينه ان الأفكار الفلسفية التي يطرحها استاذ من مكتبه الهاديء قادرة علي ابادة حضارة بكاملها. وقد وصف أعمال روسو بأنها السلاح الملطخ بالدم الذي حطم بيد روبسبير العهد البائد. كما تنبأ بأن الايمان الرومانسي لفيخته وشيلنغ سينقلب يوما وبتأثير ماحق من قبل اتباعهما من المتطرفين الألمان ضد الثقافة الليبرالية الغربية. ولم تكذب الحقائق هذه النبوءة كليا. هذه الأمثلة، المشفوعة بتأييد متواصل من شواهد التاريخ، توجب الحذر من مغبة الاستخفاف بسيادة الأفكار وسلطتها [2] .
العزلة شرط من شروط تحقق الانتاج، والانتاج نفسه هو لحمة المثقف بالمجتمع او بفئات منه. وفي هذه الجدلية يبدو المثقف مقاتلا ضد الجمهور ومحاربا من أجله في آن. انه نشاط عقل يوازن بين المع والضد، يغدو في آن متهما ومحاميا، ويرتفع بحكم هذه الوظيفة المزدوجة فوق الأطراف. آخر ما يفكر فيه هو ارضاء الجمهور، ومع ذلك فان نشاطه يستبطن تطلبا ما لدي الجمهور. ان مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تنسي، ويغفل أمرها علي نحو روتيني.. وهو مؤهل للتوحد مع الضعفاء ومن لا ممثل لهم [3] .
المنفي - بالمعني المجازي لا الحرفي - هو وصفة ادوارد سعيد لطريقة حياة المثقف: ان الامعيين ينتمون كليا الي المجتمع كما هو، ويزدهرون فيه دون أي شعور غامر بالتنافر أو الانشقاق. المثقفون، علي عكس ذلك، في نزاع مع مجتمعهم، ولذا فهم غير منتمين ومنفيون (داخل بلدانهم). المنفي للمثقف، بهذا المعني الميتافيزيقي، هو التململ، والتحرك، وكونه علي الدوام قلقا، ومقلقا للآخرين. فالمثقف الذي تتقمصه حالة المنفي لا يستجيب لمنطق التمسك بالأعراف، بل لجرأة المغامرة، ولتمثيل التغيير، وللمضي قدما، لا للركود والجمود [4] .
المنفي - بالمعني الميتافيزيقي أيضا - يبدو واقعة روحية جبرية، وليست اختيارية، في رؤية الفيلسوف الايراني داريوش شايغان للمثقف في العصر الحديث: لقد فجرت الحداثة كل ثقوب الأمان التي كانت تحفظ كنوز النفس. أفرغت السماء من السكان وعاودت ملء اللاوعي واشباعه بالمكبوتات، وبهذا أطلقت رصاصة الرحمة علي الانتماء المشترك الي الاسطورة والعقل. ان هذا الفصل، الحتمي بلا ريب، كانت له نتائج مثمرة وهدامة، فهو اذ سمح ببروز علوم الطبيعة، فقد زرع ايضا الاضطراب في توازن الانسان النفسي، وجعله كائنا عصابيا. ومنذ ذلك الحين، أي منذ الأزمنة الحديثة، صار يوضع الانتماء المشترك الي هذين النظامين الواقعيين (الاسطورة والعقل)، في مقابل جدلية تناقضهما .
وكان هذا التناقض أداة ذات حدين. فقد باتت الاسطورة عقلا، ولكن العقل يمكن انقلابه الي اسطورة: ففي عالم خال من الصور الرمزية ومحروم من الجدلية، يوجد ميل طبيعي الي قلب العقل اسطورة. ان صيغة هذا الانقلاب هي ردة فعل روتينية لكل تفكير ايديولوجي (لا نقدي)، لأن الايديولوجي هو باحث عن كلية في عالم توقفت فيه الكلية عند الطرف الحاد لمعارك الأديرة .
ولا سبيل الي الخروج من مأزق الجدلية المأساوية للعقل والاسطورة الا بالبقاء، من خلال النقد وبفضله، فوق الحد القاطع للموسي، واجتناب صخرة كل هوية ايديولوجية. لقد وصفت جدلية العقل والاسطورة بأنها الوعي الصارم لانعدام الهوية . وهذا الوصف، حسب داريوش شايغان، يمكن تفسيره كأنه بالذات تعريف المثقف. لأن المثقف، خلافا للحكيم / المتصوف الذي يستكشف، فيما يتعدي التناقضات، الانتماء الاصلي المشترك (للاسطورة والعقل)، او خلافا للايديولوجي الذي يعاود انمساخات العقل وتحولاته المهجنة، انما يظل بكل بطولة علي شفير جرح اللاهوية المفتوح، رافضا كل اندماج في أي نظام، وكل استلحاق بكيان جماعي ..، وبالتالي ينقذ من خلال ذلك بالذات، فرادة الفرد الوحيدة، التي لا تقبل الحصر والخفض [5] .
وفي انقاذ فردية الفرد، تتبدي أسمي واجبات المثقف تجاه الناس. فبعد الحفاظ علي الحياة، ليس هناك ما هو أهم من تنمية الشخصية الفردية، وتطوير عقول مميزة، وازدهار ذوات انسانية تتمتع بمسؤوليــــة الراشدين تجاه اخوتها من البشر.
الفردية
ان لظاهرة الفردية، ككل وجوه الحداثة، جوانب مظلمة ومشرقة. ولعل أبرز جوانبها المظلمة يتجلي في الفردوية : أي الفردية المعممة أو المطلقة الرافضة لكل القيم والمعايير المتعالية أو السامية. في الضفة الأخري عنت الفردية أوسع تنمية دماغية عرفها التاريخ .بسبب هذه التنمية ظهر لأول مرة في الأفق البعيد (الي حد قد لا يوجد) أن العقليات الجماعية يمكن ان تنتهي وتحل محلها عقول فردية. أظهر هذه الامكانية تعاظم الحراك الاجتماعي والثورات العلمية والثقافية. وعلي هذا النحو فان مستقبل البشرية قد يغدو قابلا لأن يقرأ علي أنه تاريخ عقول، مع ان ما فيها يبقي يتطلب أن يقرأ علي انه في المقام الأول تاريخ عقليات [6] .
ان عمر الوعي الانساني الذي يعبر عنه التاريخ المدون (الاسطوري، العقلي) قصير. وأقصر منه عمر الوعي الذاتي أي الوعي الذي يرتد الي العقل وحده. يقول فرويد ان همس الأحقاب المنسية من عمر الانسان ما زال فعالا. فالفرد، كيفما كان، قريب جدا من أصله، أي المجتمع الحيواني الأول وهو القطيع. ولذلك فانه لا ينفرد الا بقسم ضئيل جدا من نفسانيته. أما القسم الأكبر فهو نفسانية جموعية مشتركة: يشارك كل فرد الآخرين في جموعات متعددة: الجنس، الطبقة، الدين، الشغل … وبعد كل هذا فقط يكتسب، ان هو اكتسب، ميزة يستقل بها. اننا نستطيع ان نحدد متي انفصلت النفسانية الفردية عن النفسانية الجموعية، متي استقل الفرد نسبيا عن الحشد . ان الأنا وليد التاريخ القريب، غير متجذر ولا مستقر، لذلك نراه قلقا باستمرار، عرضة للانفصام ولعوارض نفسانية متشابهة. يتحكم في الأنا - الأنا الأعلي الذي يمثل فينا التاريخ البعيد، تاريخ الحياة القطيعية [7] .
وتعبر حداثة عهد علوم الانسان والمجتمع عن قصر عمر الوعي الذاتي. فهذه العلوم التي تعيد كل شيء في التاريخ بما في ذلك أشد الأفكار والمؤسسات قداسة الي الانسان والمجتمع، انما بدأت في الظهور اعتبارا من القرن الثامن عشر. وكانت ولادتها في ابرز وجوهها تعبيرا عن انبثاق الفردية .والفردية ولدت في اطار المجتمع الرأسمالي: كان مجموع الحرف في القرون الوسطي ما بين 10 ـ 20 وتزايد الي آلاف مع مطلع القرن العشرين. ان تزايد الحرف وظهور الطباعة والغرف الخصوصية والحمام والمكتب والتخصص ولد مئات الآلاف من الطرق المختلفة في العمل والحياة والراحة والتفكير، فتسني للمرء لأول مرة في التاريخ أن يحيا حياة مختلفة عن جيرانه ويكتسب شخصية مختلفة عن اقرانه. ورجال العصر الحديث ونساؤه هم أول من أخذ بثقافة تضع التعبير الفردي والفرص الفردية في مكانة أعلي من المسايرة واتباع السلطة [8]. وصاغت الليبرالية كل هذه التطورات في اعتبار حرية الانسان الفرد أهم قيمة سياسية.
يقول ماركس ان الهيئات الاجتماعية القديمة أبسط وأكثر شفافية للغاية من المجتمع البرجوازي، ولكن قاعدتها هي عدم نضج الانسان الفرد، الذي لم يقطع بعد تاريخه: الحبل السري الذي يلحقه بالجماعة الطبيعية لقبيلة بدائية . في المقابل فان المثل الأعلي للفردية لدي ماركس يبدو مثاليا . يقول ان الدولة يجب أن تربي اعضاءها جاعلة منهم أعضاء حقيقيين في الدولة، بتحويل الأهداف الفردية الي أهداف عمومية، الغريزة البدائية الي حنو أخلاقي، الاستقلال الطبيعي الي حرية فكرية، جاعلة الفرد يتفتح ويزدهر في حياة المجموع والمجموع يحيا في فكر الفرد [9] .
يمكن تعريف الفردية، استنادا الي هيغل، بأنها حرية الفرد الذاتية. وهذه الأخيرة تعني فهم الفرد لنفسه وتحقيقه لذاته من خلال ذلك الفهم: ان الفرد هو الارادة التي تعين نفسها بنفسها. وفعل التعيين الذاتي هو ممارسة الارادة للحرية. ويتمثل هذا الفعل بنوعين أساسيين من النشاط هما تعيين الارادة لغرض او نوع من الهدف، وترجمة هذا الغرض الي فعل. وقوام هذين النشاطين يتشكل من وجوب الاختيار، وفهم الاختيار، وعقلانيته.
ان الانسان ليس معطي للعالم علي انه حر، لكنه اعطي للعالم مع امكان ان يكون حرا. فقد اعطيت للأنا القدرة علي ان تريد بحرية. والارادة لا تكون ارادة فعلية علي الاطلاق الا بمقدار ما تعزم وتصمم أو تختار. والاختيار يتضمن التقييد، لأن الشخص الذي يقرر السير في فعل معين يتنكر لجميع الرغبات الأخري الممكنة التي تتواجد مع الرغبة المختارة. لكن الانسان لا يستطيع أن يوجد كشخصية بدون هذا التقييد، فمثل هذا الانسان لن يستطيع انجاز شيء ذي قيمة في هذا العالم. يقول غوته: ان من يريد أن ينجز شيئا عظيما لا بد أن تكون لديه القدرة علي تحديد نفسه .
وليس في استطاعة الارادة القيام باختيار عاقل، أو بتحديد نفسها، ما لم تكن واعية بنفسها وبغرضها وبما تحتاج ان تكونه. وهذا الوعي مستحيل بدون فهم ذاتي. فالارادة تتكشف عن طريق هذا الفهم لحدود امكاناتها وقدراتها .تستطيع الارادة أن تضع أمامها الغرض الحق او الاختيار العاقل فقط عندما تعرف رغباتها الحقيقية واهتماماتها وقواها وضعفها وقيمها بوصفها امورا تتعلق بطبيعتها الخاصة.
وتتوقف أخلاقية الفعل الناتج عن الاختيار علي ثلاثة شروط: المسؤولية، الغائية، المصلحة العامة. فالفعل لا يكون أخلاقيا ما لم يصدر عن ارادة مسؤولة، والمسؤولية تعني الاستعداد للمحاسبة: أي استعداد المرء أن يتقبل نتيجة عمله ثوابا أو عقابا. الشرط الثاني لكي يكون الفعل أخلاقيا هو انعكاسه ايجابيا علي رفاهية الفرد.فافعال الارادة الواعية تتحدد بهذه الغاية. ذلك ان تحقيق الغايات الشخصية هو أساس الرفاهية أو السعادة، وبالتالي هو أساس الحرية الذاتية. ان الغايات الشخصية المرتبطة بحاجات المرء ونزواته هي مضمون حياته ،ومن ثم فهي جوهرية للتحديد الذاتي. ومن اشباعها تتشكل الحرية الذاتية التي هي الحق الذي لا بد منه ليكون المرء ذاته.
والشرط الاخير هو ان يكون الفعل خيرا. وتتوقف خيرية الفعل علي مطابقته للحق، وارتباطه بالكفاح من اجل الرفاهية الخاصة للمرء والرفاهية بمعناها الكلي :أي خير الاخرين او المصلحة العامة. يقول هيغل: الرفاهية بدون الحق ليست خيرا ،وقل مثل ذلك في الحق بدون الرفاهية ،فهو أيضا ليس خيرا. فقولنا (يحيا العدل) ينبغي ألا يعقبه (وليسقط العالم). ان الخير ليس شيئا حقا علي نحو مجرد، وانما هو شيء عيني يشمل مضمونه كلا من الحق والسعادة [10].
وهنا لا بد من طرح سؤال: هل يساهم المثقف فعلا في تنمية مثل هذه الفردية وتوسيعها؟
المثقف العضوي
كما مر بنا فان تنامي مجتمعات الوفرة الرأسمالية خلق فرصا للفردية لم يعرف التاريخ مثلها. غير ان امكانات التفرد هي غير التفرد بالفعل. ففي الغرب وجدت التوتاليتارية وهي أعلي مراحل طمس الشخصية الفردية. كما ان السيطرة علي الفكر سابقة تاريخية للرأسمالية: فبموجب المبدأ العام المعروف باسم هندسة الاذعان والموافقة تجري صياغة القرار الفردي للمستهلك والناخب، وتسطيح الفردية، في اطار من التظاهر بتوسيع الفردية.
في مذكراته يروي خبير في الدعاية والإعلان اسمه ادوارد .ل. بيرنيز مثالا يوضح القدرة الهائلة لفنون هندسة الاذعان والموافقة ، في مجال واحد كان يعمل فيه، وهو العلاقات العامة والاعلان . وموضوع المثال هو كيفية مساعدته لشركة دخان امريكية علي حث النساء علي المجاهرة بالتدخين. يقول بيرنيز انه، بناء علي مشورة محلل نفسي كان يري ان النساء يتصورن السجائر بمثابة مشاعل للحرية ، قام بالاعداد لموكب تسير فيه المدخنات في عيد الفصح في نيويورك عام 1929. وجعل سكرتيرته ترسل تلغرافات لثلاثين فتاة من علية القوم في المدينة، كتب فيها:
من أجل المساواة بين الجنسين، ومن أجل مناهضة تحريم آخر مفروض علي بنات جنسنا، قررت مع غيري من الشابات أن نوقد مشعلا آخر للحرية، بتدخين السجائر أثناء مسيرتنا بالشارع الخامس يوم عيد الفصح .
وقد أثار الحدث ضجة قومية، فنشرت صور النساء بالصحف في أرجاء البلاد. واستجابت النساء من نيويورك الي سان فرنسيسكو ودخن جهارا. ولم يكن هذا غير البداية لشركة الدخان الأمريكية التي يملكها جورج واشنطن هل. فالنساء لم يدخن سيجارة الشركة (اللكي سترايك) لأن غلاف العلبة الأخضر يتنافر مع الوان ملابسهن. فاقترح بيرنيز تغيير لون الموضة الي الاخضر، وتم رصد مبلغ كبير من المال لذلك . وكان هذا بالنسبة لي هو بداية ستة أشهر من النشاط الرائع والمثير، أعني أن أجعل الأخضر لون المودة . ويا لها من نشاطات ! اعدت دراسات سيكولوجية عن تداعيات اللون الأخضر. ونظم أهم حفل راقص أخضر للمجتمع الراقي. وتم تشجيع أحد منتجي الحرير علي الرهان علي اللون الأخضر ، فأقام مأدبة لمحرري الموضة، كانت قائمة الطعام فيها خضراء، وكل الطعام أخضر. وقام أحد علماء النفس فحدثهم عن اللون الأخضر، ثم حاضرهم رئيس قسم الفن بكلية هنتر عن اللون الأخضر في اعمال أعلام الفنانين .
وبناء علي تبشير الصحف بـ خريف أخضر و شتاء أخضر انشئ مكتب لموضة اللون قام بتنبيه العاملين في حقل الموضة الي ان اللون الأخضر هو سيد الألوان في الملابس وفي القطع الكمالية (الاكسسوارات) وحتي ديكورات المنازل من الداخل. وانضم الي الاتجاه الأخضر مصممو الديكور وتجار الأثاث وصناعة الموضة الفرنسية، كما تعاونت الحكومة الفرنسية اعترافا منها بالقوة الشرائية للمرأة الامريكية. وتكونت لجنة ضيافة لفريق الموضة الخضراء ضمت بعضا من ألمع الأسماء النسائية في المجتمع الأمريكي آنذاك. وأقامت اللجنة سلسلة من حفلات العشاء دعت اليها ممثلي صناعات القطع الكمالية لتشجيعهم علي توفير القطع الكمالية الخضراء لتتمشي مع الأزياء الخضراء الواردة من باريس.
وعندما اشتدت الحملة ركب سائر المنتجين الموضة: طلاء أظافر أخضر زمردي، جواريب خضراء، أغلفة المجلات اخضرت ايضا. ورضخت المعارضة البريئة للعاصفة فعرضت سجائر كامل فتاة ترتدي نفس ألوان علبة سجائر لكي سترايك، أي الاخضر المقلم بالأحمر. وشكل هذا التصرف الأخير اعترافا من المنافسين ذاتهم بأن لكي سترايك هي قمة الموجة.
هذه الثورة الخضراء بلغت ذروتها عام 1934، أي في عز أزمة الكساد الاقتصادي الأمريكي. وهي تثير، كما يقول المؤرخ الأمريكي كافين رايلي، أسئلة طريفة وأخري أشد ازعاجا: كيف يبدد كل هؤلاء الناس - علي ذكائهم ونفوذهم - وقتهم وطاقتهم في هذا النشاط السخيف، بل الضار للصحة في نهاية الأمر، مع وجود قضايا اقتصادية أساسية تحتاج الي علاج ؟ وأي نوع من الفردية كان يبديه اولئك المثقفون والصحفيون وأعضاء المجتمع الراقي الذين شاركوا في الحملة ؟ وعندما ألقي الفنانون وعلماء النفس محاضراتهم في ذلك الخريف عن أهمية اللون الأخضر أكانوا يقولون ما يريدون قوله ؟ أكانوا يعربون عن اختياراتهم الخاصة أو عن شخصيتهم الفردية ؟ واذا كان قد جري التلاعب بهم حتي ظنوا ان قضية الأخضر قضية مهمة، فما بال كل النساء اللواتي اعتقدن انهن اخترن شراء الفساتين الخضراء ؟
لقد خصص كثير من حقول المعرفة الجديدة في القرن العشرين للتحكم في الجمهور والمستهلك. وتخصص الشركات الكبري عادة قدرا أكبر من الأموال للدراسات والبحوث والتدريب في مجالات تستهدف الاقناع لا الاستكشاف. وهناك اقسام علمية أكاديمية ومعاهد كاملة ومراكز بحوث ومؤسسات للنشر والاعلام (تدعمها الشركات الكبري عادة) للعمل من أجل اكتشاف طرق دائمة التجدد لصياغة الرأي العام أو رأي المستهلكين [11].
لا شك في ان هذه الجهود تؤول الي تقليص فرص الاستقلال الذاتي للفرد، وتسطيح شخصيته، وصب الفردية في أطر تافهة أو مظاهر زائفة. والأهم من ذلك - في اطار موضوعنا - ان المثقف يساهم أو يقوم بمعظم هذه الجهود: فكيف يمكن تمييز هذا النوع من المثقف عن المثقف الفرد كصوت مستقل؟
وكما تغيب الاستراتيجية النقدية عن المثقف الذي يساهم في فنون هندسة الاذعان والموافقة وأشباهها فانها تغيب اليوم أيضا عن الاتجاهات السائدة في أوساط المتخصصين في العلوم الانسانية والاجتماعية. يقول محمد أركون ان العلوم الاجتماعية التي يفترض بأنها ستساعدنا علي تحليل واقعنا واضاءة حاضرنا المعقد تكتفي بالوصف الحيادي او تقديم تقارير المعاينة المحدودة او التعليق علي الأحداث بعد حصولها، او تمارس استراتيجية المنفعة التجارية، أي بمعني أقدم لك معلومات وتقدم لي أموالا. وأما الفلسفة فقد أخذت تنحسر أكثر عن الساحة الثقافية بحجة انها تجريدية عقيمة لا طائل تحتها واخذ دورها يتضاءل تاركة المجال لمختلف الاختصاصيين في العلوم الاجتماعية. ويكتفي هؤلاء بالاستكشافات الموضعية المحدودة لمجالات معينة ويمتنعون عن تقديم أية تنظيرات عامة أو تقييمات شمولية للوضع. انهم يتقاسمون أرضية البحث العلمي عن طريق تخصصاتهم الضيقة كما كانت العشائر او القبائل القديمة تتقاسم الأراضي. فكل منطقة أصبحت محصورة بفئة معينة ولها زعيم معين، وهي واقعة في حالة تخاصم وعداء مع المناطق الاخري. وهكذا أصبحت العلوم الانسانية في الغرب متقاسمة من قبل التحزبات الضيقة، وكل حزب له زعيم فكري معين. ولم يعد هناك من أحد يستطيع أن ينص علي المباديء الأخلاقية العامة او القيم الروحية التي ينبغي أن تسود [12] .
تري هل تمكن استعارة مفهوم غرامشي لـ المثقف العضوي مع تحويره، ليناسب دور المثقف التابع ؟ المثقف الذي يبيع جهوده أو يسمح باستثمار جهوده في أعمال تحرف الفردية الي اتجاهات زائفة أو تافهة ؟أي المثقف اللانقدي علي العموم ؟ يذهب غرامشي في تحليله الاجتماعي للمثقف الي أن كل الناس مثقفون لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقف في المجتمع . ويصنف المثقفين، حسب وظيفتهم الفكرية في المجتمع، الي نوعين: تقليدي وعضوي. الأول يضم الذين يواصلون أداء العمل نفسه من جيل الي جيل مثل رجال الدين، المعلمين، والاداريين.
النوع الثاني، العضوي، يضم المستخدمين من قبل فئات أو مؤسسات تجارية وسياسية لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة، وزيادة السيطرة. ويقول غرامشي عن المثقف العضوي: ان منظم الأعمال الرأسمالي يخلق الي جانبه التقني الصناعي، والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لانشاء ثقافة جديدة او نظام قانوني جديد، الي ما هناك. فخبير الاعلان او العلاقات السياسية مثقف عضوي. انه انسان يحاول، في مجتمع ديمقراطي، كسب موافقة الزبائن المحتملين، ونيل الاستحسان، وتوجيه رأي المستهلك او الناخب. ان كل من يعمل في أي حقل مرتبط بانتاج المعرفة أو بنشرها هو مثقف، حسب مفهوم غرامشي. والنسبة بين ما يسمي بصناعات المعرفة وصناعات الانتاج المادي الفعلي ترجح علي نحو حاد اليوم في معظم المجتمعات الغربية الصناعية، لمصلحة صناعات المعرفة. ان رؤية غرامشي تبدو أقرب بكثير الي الواقع، خاصة في أواخر القرن العشرين، ومع بروز هذا العدد الكبير من المهن الجديدة أمثال المذيعين، محترفي العمل الأكاديمي، المستشارين الاداريين، خبراء السياسة، مستشاري الحكومة، مؤلفي التقارير التجارية المتخصصة، العاملين في مجال الصحافة الجماهيرية العصرية بكامله [13] .
والحال فان هيمنة المثقف العضوي تطرح تساؤلات عن دور المثقف النقدي وحجمه في المجتمعات الحديثة.
" القدس العربي "
حواشي
[1] نفسه ص 68.
[2] اشعيا برلين. حدود الحرية. ترجمة جمانا طالب. دار الساقي ، الطبعة الاولي 1992. ص6.
[3] ادوارد سعيد. مصدر سابق. ص 28و37.
[4] نفسه. ص 62 و72.
[5] شايغان ، مصدر سابق. ص 173 ـ 174.
[6] طرابيشي. مصدر سابق. ص 291.
[7] عبد الله العروي. مصدر سابق. ص 41 ـ 42.
[8] كافين رايلي. مصدر سابق. ص 268 ـ 273.
[9] كارل ماركس ، فريدريك انغلس. حول الدين. ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة - بيروت، الطبعة الثانية ص 104وص 23 بالتتابع.
[10] هيغل. المكتبة الهيغلية. الدراسات. المجلد الثاني (ويضم كتابين). ترجمة أ. د. امام عبد الفتاح امام. مكتبة مدبولي. وتعريف مفهوم الفردية اوجزناه من كتاب (هيغل والديمقراطية)، تأليف ميشيل ميتاس. انظر الصفحات: 796 ـ 815.
[11] كافين رايلي. مصدر سابق. انظر الصفحات 287 ـ 292.
[12] الاسلام ، اوروبا، الغرب .محمد اركون. ترجمة واسهام هاشم صالح. دار الساقي ، الطبعة الاولي 1995. ص 143.
[13] ادوارد سعيد. مصدر سابق. الصفحات 21 ـ 22 و25 ـ 26.
الشرائح الاجتماعية التي تمتلك قوة السلطة، او قوة المال، او قوة الافكار تسمي النخبة. وهي بهذه القوي تؤثر في حياة الناس علي كل المستويات. و المثقفون هم الشريحة التي تستمد مكانتها من قوة الافكار.
ما هو المثقف ؟ كيف تشكل دوره؟ ما هي وظيفته؟
هذه ليست اسئلة اكاديمية مفصولة عن الناس، او بعيدة عن مجريات حياتهم، بل هي ترتبط اوثق الارتباط بحياة البشر، مخاوفهم، همومهم، تطلعاتهم ـ ومصيرهم بالجملة.
و القدس العربي ، اذ تنشر هذه الدراسة المستلّة من كتاب (الانسان والفكرة) للزميل احمد المهنا، فانها تجدد التأكيد علي راهنية المسألة الثقافية، واهمية دور المثقف، كما تذكّر بأن احد الاسباب الرئيسية لـ انسداد الافق في العالم العربي، يرتبط بـ قوة الافكار التي هي ميدان عمل المثقف .
وبعد نشر هذه الدراسة، نتلوها بنشر مثال تطبيقي ، لكاتب آخر، عن سيرة حياة احد اعلام الثقافة في الازمنة الحديثة. فتنتقل بذلك مقاربة الثقافة من النظرية الي التطبيق، او من التجريد الي التجسيد، او من الغابة الي احد اشجارها المتعينة، المحسوسة، الباسقة، كثيرة الثمار و… الأشواك.
المثقف والجمهور
يعرف ييتس الفن بأنه الفعل الاجتماعي لانسان منعزل . ويصح هذا التعريف علي كل عمل ثقافي، من زاوية العلاقة بين المثقف والناس. ان عزلة المثقف تتلاشي ما ان يقرب أداته من العمل. ففي هذه اللحظة يكون فعله الاجتماعي قد بدأ. لقد قاد كانط وهيغل ملايين من الناس لم يقرأوا لهما سطرا واحدا، ولم يعلموا انهم انما ينفذون توجيهاتهما [1] . وقبل أكثر من قرن ونصف قال الشاعر الألماني هاينه ان الأفكار الفلسفية التي يطرحها استاذ من مكتبه الهاديء قادرة علي ابادة حضارة بكاملها. وقد وصف أعمال روسو بأنها السلاح الملطخ بالدم الذي حطم بيد روبسبير العهد البائد. كما تنبأ بأن الايمان الرومانسي لفيخته وشيلنغ سينقلب يوما وبتأثير ماحق من قبل اتباعهما من المتطرفين الألمان ضد الثقافة الليبرالية الغربية. ولم تكذب الحقائق هذه النبوءة كليا. هذه الأمثلة، المشفوعة بتأييد متواصل من شواهد التاريخ، توجب الحذر من مغبة الاستخفاف بسيادة الأفكار وسلطتها [2] .
العزلة شرط من شروط تحقق الانتاج، والانتاج نفسه هو لحمة المثقف بالمجتمع او بفئات منه. وفي هذه الجدلية يبدو المثقف مقاتلا ضد الجمهور ومحاربا من أجله في آن. انه نشاط عقل يوازن بين المع والضد، يغدو في آن متهما ومحاميا، ويرتفع بحكم هذه الوظيفة المزدوجة فوق الأطراف. آخر ما يفكر فيه هو ارضاء الجمهور، ومع ذلك فان نشاطه يستبطن تطلبا ما لدي الجمهور. ان مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تنسي، ويغفل أمرها علي نحو روتيني.. وهو مؤهل للتوحد مع الضعفاء ومن لا ممثل لهم [3] .
المنفي - بالمعني المجازي لا الحرفي - هو وصفة ادوارد سعيد لطريقة حياة المثقف: ان الامعيين ينتمون كليا الي المجتمع كما هو، ويزدهرون فيه دون أي شعور غامر بالتنافر أو الانشقاق. المثقفون، علي عكس ذلك، في نزاع مع مجتمعهم، ولذا فهم غير منتمين ومنفيون (داخل بلدانهم). المنفي للمثقف، بهذا المعني الميتافيزيقي، هو التململ، والتحرك، وكونه علي الدوام قلقا، ومقلقا للآخرين. فالمثقف الذي تتقمصه حالة المنفي لا يستجيب لمنطق التمسك بالأعراف، بل لجرأة المغامرة، ولتمثيل التغيير، وللمضي قدما، لا للركود والجمود [4] .
المنفي - بالمعني الميتافيزيقي أيضا - يبدو واقعة روحية جبرية، وليست اختيارية، في رؤية الفيلسوف الايراني داريوش شايغان للمثقف في العصر الحديث: لقد فجرت الحداثة كل ثقوب الأمان التي كانت تحفظ كنوز النفس. أفرغت السماء من السكان وعاودت ملء اللاوعي واشباعه بالمكبوتات، وبهذا أطلقت رصاصة الرحمة علي الانتماء المشترك الي الاسطورة والعقل. ان هذا الفصل، الحتمي بلا ريب، كانت له نتائج مثمرة وهدامة، فهو اذ سمح ببروز علوم الطبيعة، فقد زرع ايضا الاضطراب في توازن الانسان النفسي، وجعله كائنا عصابيا. ومنذ ذلك الحين، أي منذ الأزمنة الحديثة، صار يوضع الانتماء المشترك الي هذين النظامين الواقعيين (الاسطورة والعقل)، في مقابل جدلية تناقضهما .
وكان هذا التناقض أداة ذات حدين. فقد باتت الاسطورة عقلا، ولكن العقل يمكن انقلابه الي اسطورة: ففي عالم خال من الصور الرمزية ومحروم من الجدلية، يوجد ميل طبيعي الي قلب العقل اسطورة. ان صيغة هذا الانقلاب هي ردة فعل روتينية لكل تفكير ايديولوجي (لا نقدي)، لأن الايديولوجي هو باحث عن كلية في عالم توقفت فيه الكلية عند الطرف الحاد لمعارك الأديرة .
ولا سبيل الي الخروج من مأزق الجدلية المأساوية للعقل والاسطورة الا بالبقاء، من خلال النقد وبفضله، فوق الحد القاطع للموسي، واجتناب صخرة كل هوية ايديولوجية. لقد وصفت جدلية العقل والاسطورة بأنها الوعي الصارم لانعدام الهوية . وهذا الوصف، حسب داريوش شايغان، يمكن تفسيره كأنه بالذات تعريف المثقف. لأن المثقف، خلافا للحكيم / المتصوف الذي يستكشف، فيما يتعدي التناقضات، الانتماء الاصلي المشترك (للاسطورة والعقل)، او خلافا للايديولوجي الذي يعاود انمساخات العقل وتحولاته المهجنة، انما يظل بكل بطولة علي شفير جرح اللاهوية المفتوح، رافضا كل اندماج في أي نظام، وكل استلحاق بكيان جماعي ..، وبالتالي ينقذ من خلال ذلك بالذات، فرادة الفرد الوحيدة، التي لا تقبل الحصر والخفض [5] .
وفي انقاذ فردية الفرد، تتبدي أسمي واجبات المثقف تجاه الناس. فبعد الحفاظ علي الحياة، ليس هناك ما هو أهم من تنمية الشخصية الفردية، وتطوير عقول مميزة، وازدهار ذوات انسانية تتمتع بمسؤوليــــة الراشدين تجاه اخوتها من البشر.
الفردية
ان لظاهرة الفردية، ككل وجوه الحداثة، جوانب مظلمة ومشرقة. ولعل أبرز جوانبها المظلمة يتجلي في الفردوية : أي الفردية المعممة أو المطلقة الرافضة لكل القيم والمعايير المتعالية أو السامية. في الضفة الأخري عنت الفردية أوسع تنمية دماغية عرفها التاريخ .بسبب هذه التنمية ظهر لأول مرة في الأفق البعيد (الي حد قد لا يوجد) أن العقليات الجماعية يمكن ان تنتهي وتحل محلها عقول فردية. أظهر هذه الامكانية تعاظم الحراك الاجتماعي والثورات العلمية والثقافية. وعلي هذا النحو فان مستقبل البشرية قد يغدو قابلا لأن يقرأ علي أنه تاريخ عقول، مع ان ما فيها يبقي يتطلب أن يقرأ علي انه في المقام الأول تاريخ عقليات [6] .
ان عمر الوعي الانساني الذي يعبر عنه التاريخ المدون (الاسطوري، العقلي) قصير. وأقصر منه عمر الوعي الذاتي أي الوعي الذي يرتد الي العقل وحده. يقول فرويد ان همس الأحقاب المنسية من عمر الانسان ما زال فعالا. فالفرد، كيفما كان، قريب جدا من أصله، أي المجتمع الحيواني الأول وهو القطيع. ولذلك فانه لا ينفرد الا بقسم ضئيل جدا من نفسانيته. أما القسم الأكبر فهو نفسانية جموعية مشتركة: يشارك كل فرد الآخرين في جموعات متعددة: الجنس، الطبقة، الدين، الشغل … وبعد كل هذا فقط يكتسب، ان هو اكتسب، ميزة يستقل بها. اننا نستطيع ان نحدد متي انفصلت النفسانية الفردية عن النفسانية الجموعية، متي استقل الفرد نسبيا عن الحشد . ان الأنا وليد التاريخ القريب، غير متجذر ولا مستقر، لذلك نراه قلقا باستمرار، عرضة للانفصام ولعوارض نفسانية متشابهة. يتحكم في الأنا - الأنا الأعلي الذي يمثل فينا التاريخ البعيد، تاريخ الحياة القطيعية [7] .
وتعبر حداثة عهد علوم الانسان والمجتمع عن قصر عمر الوعي الذاتي. فهذه العلوم التي تعيد كل شيء في التاريخ بما في ذلك أشد الأفكار والمؤسسات قداسة الي الانسان والمجتمع، انما بدأت في الظهور اعتبارا من القرن الثامن عشر. وكانت ولادتها في ابرز وجوهها تعبيرا عن انبثاق الفردية .والفردية ولدت في اطار المجتمع الرأسمالي: كان مجموع الحرف في القرون الوسطي ما بين 10 ـ 20 وتزايد الي آلاف مع مطلع القرن العشرين. ان تزايد الحرف وظهور الطباعة والغرف الخصوصية والحمام والمكتب والتخصص ولد مئات الآلاف من الطرق المختلفة في العمل والحياة والراحة والتفكير، فتسني للمرء لأول مرة في التاريخ أن يحيا حياة مختلفة عن جيرانه ويكتسب شخصية مختلفة عن اقرانه. ورجال العصر الحديث ونساؤه هم أول من أخذ بثقافة تضع التعبير الفردي والفرص الفردية في مكانة أعلي من المسايرة واتباع السلطة [8]. وصاغت الليبرالية كل هذه التطورات في اعتبار حرية الانسان الفرد أهم قيمة سياسية.
يقول ماركس ان الهيئات الاجتماعية القديمة أبسط وأكثر شفافية للغاية من المجتمع البرجوازي، ولكن قاعدتها هي عدم نضج الانسان الفرد، الذي لم يقطع بعد تاريخه: الحبل السري الذي يلحقه بالجماعة الطبيعية لقبيلة بدائية . في المقابل فان المثل الأعلي للفردية لدي ماركس يبدو مثاليا . يقول ان الدولة يجب أن تربي اعضاءها جاعلة منهم أعضاء حقيقيين في الدولة، بتحويل الأهداف الفردية الي أهداف عمومية، الغريزة البدائية الي حنو أخلاقي، الاستقلال الطبيعي الي حرية فكرية، جاعلة الفرد يتفتح ويزدهر في حياة المجموع والمجموع يحيا في فكر الفرد [9] .
يمكن تعريف الفردية، استنادا الي هيغل، بأنها حرية الفرد الذاتية. وهذه الأخيرة تعني فهم الفرد لنفسه وتحقيقه لذاته من خلال ذلك الفهم: ان الفرد هو الارادة التي تعين نفسها بنفسها. وفعل التعيين الذاتي هو ممارسة الارادة للحرية. ويتمثل هذا الفعل بنوعين أساسيين من النشاط هما تعيين الارادة لغرض او نوع من الهدف، وترجمة هذا الغرض الي فعل. وقوام هذين النشاطين يتشكل من وجوب الاختيار، وفهم الاختيار، وعقلانيته.
ان الانسان ليس معطي للعالم علي انه حر، لكنه اعطي للعالم مع امكان ان يكون حرا. فقد اعطيت للأنا القدرة علي ان تريد بحرية. والارادة لا تكون ارادة فعلية علي الاطلاق الا بمقدار ما تعزم وتصمم أو تختار. والاختيار يتضمن التقييد، لأن الشخص الذي يقرر السير في فعل معين يتنكر لجميع الرغبات الأخري الممكنة التي تتواجد مع الرغبة المختارة. لكن الانسان لا يستطيع أن يوجد كشخصية بدون هذا التقييد، فمثل هذا الانسان لن يستطيع انجاز شيء ذي قيمة في هذا العالم. يقول غوته: ان من يريد أن ينجز شيئا عظيما لا بد أن تكون لديه القدرة علي تحديد نفسه .
وليس في استطاعة الارادة القيام باختيار عاقل، أو بتحديد نفسها، ما لم تكن واعية بنفسها وبغرضها وبما تحتاج ان تكونه. وهذا الوعي مستحيل بدون فهم ذاتي. فالارادة تتكشف عن طريق هذا الفهم لحدود امكاناتها وقدراتها .تستطيع الارادة أن تضع أمامها الغرض الحق او الاختيار العاقل فقط عندما تعرف رغباتها الحقيقية واهتماماتها وقواها وضعفها وقيمها بوصفها امورا تتعلق بطبيعتها الخاصة.
وتتوقف أخلاقية الفعل الناتج عن الاختيار علي ثلاثة شروط: المسؤولية، الغائية، المصلحة العامة. فالفعل لا يكون أخلاقيا ما لم يصدر عن ارادة مسؤولة، والمسؤولية تعني الاستعداد للمحاسبة: أي استعداد المرء أن يتقبل نتيجة عمله ثوابا أو عقابا. الشرط الثاني لكي يكون الفعل أخلاقيا هو انعكاسه ايجابيا علي رفاهية الفرد.فافعال الارادة الواعية تتحدد بهذه الغاية. ذلك ان تحقيق الغايات الشخصية هو أساس الرفاهية أو السعادة، وبالتالي هو أساس الحرية الذاتية. ان الغايات الشخصية المرتبطة بحاجات المرء ونزواته هي مضمون حياته ،ومن ثم فهي جوهرية للتحديد الذاتي. ومن اشباعها تتشكل الحرية الذاتية التي هي الحق الذي لا بد منه ليكون المرء ذاته.
والشرط الاخير هو ان يكون الفعل خيرا. وتتوقف خيرية الفعل علي مطابقته للحق، وارتباطه بالكفاح من اجل الرفاهية الخاصة للمرء والرفاهية بمعناها الكلي :أي خير الاخرين او المصلحة العامة. يقول هيغل: الرفاهية بدون الحق ليست خيرا ،وقل مثل ذلك في الحق بدون الرفاهية ،فهو أيضا ليس خيرا. فقولنا (يحيا العدل) ينبغي ألا يعقبه (وليسقط العالم). ان الخير ليس شيئا حقا علي نحو مجرد، وانما هو شيء عيني يشمل مضمونه كلا من الحق والسعادة [10].
وهنا لا بد من طرح سؤال: هل يساهم المثقف فعلا في تنمية مثل هذه الفردية وتوسيعها؟
المثقف العضوي
كما مر بنا فان تنامي مجتمعات الوفرة الرأسمالية خلق فرصا للفردية لم يعرف التاريخ مثلها. غير ان امكانات التفرد هي غير التفرد بالفعل. ففي الغرب وجدت التوتاليتارية وهي أعلي مراحل طمس الشخصية الفردية. كما ان السيطرة علي الفكر سابقة تاريخية للرأسمالية: فبموجب المبدأ العام المعروف باسم هندسة الاذعان والموافقة تجري صياغة القرار الفردي للمستهلك والناخب، وتسطيح الفردية، في اطار من التظاهر بتوسيع الفردية.
في مذكراته يروي خبير في الدعاية والإعلان اسمه ادوارد .ل. بيرنيز مثالا يوضح القدرة الهائلة لفنون هندسة الاذعان والموافقة ، في مجال واحد كان يعمل فيه، وهو العلاقات العامة والاعلان . وموضوع المثال هو كيفية مساعدته لشركة دخان امريكية علي حث النساء علي المجاهرة بالتدخين. يقول بيرنيز انه، بناء علي مشورة محلل نفسي كان يري ان النساء يتصورن السجائر بمثابة مشاعل للحرية ، قام بالاعداد لموكب تسير فيه المدخنات في عيد الفصح في نيويورك عام 1929. وجعل سكرتيرته ترسل تلغرافات لثلاثين فتاة من علية القوم في المدينة، كتب فيها:
من أجل المساواة بين الجنسين، ومن أجل مناهضة تحريم آخر مفروض علي بنات جنسنا، قررت مع غيري من الشابات أن نوقد مشعلا آخر للحرية، بتدخين السجائر أثناء مسيرتنا بالشارع الخامس يوم عيد الفصح .
وقد أثار الحدث ضجة قومية، فنشرت صور النساء بالصحف في أرجاء البلاد. واستجابت النساء من نيويورك الي سان فرنسيسكو ودخن جهارا. ولم يكن هذا غير البداية لشركة الدخان الأمريكية التي يملكها جورج واشنطن هل. فالنساء لم يدخن سيجارة الشركة (اللكي سترايك) لأن غلاف العلبة الأخضر يتنافر مع الوان ملابسهن. فاقترح بيرنيز تغيير لون الموضة الي الاخضر، وتم رصد مبلغ كبير من المال لذلك . وكان هذا بالنسبة لي هو بداية ستة أشهر من النشاط الرائع والمثير، أعني أن أجعل الأخضر لون المودة . ويا لها من نشاطات ! اعدت دراسات سيكولوجية عن تداعيات اللون الأخضر. ونظم أهم حفل راقص أخضر للمجتمع الراقي. وتم تشجيع أحد منتجي الحرير علي الرهان علي اللون الأخضر ، فأقام مأدبة لمحرري الموضة، كانت قائمة الطعام فيها خضراء، وكل الطعام أخضر. وقام أحد علماء النفس فحدثهم عن اللون الأخضر، ثم حاضرهم رئيس قسم الفن بكلية هنتر عن اللون الأخضر في اعمال أعلام الفنانين .
وبناء علي تبشير الصحف بـ خريف أخضر و شتاء أخضر انشئ مكتب لموضة اللون قام بتنبيه العاملين في حقل الموضة الي ان اللون الأخضر هو سيد الألوان في الملابس وفي القطع الكمالية (الاكسسوارات) وحتي ديكورات المنازل من الداخل. وانضم الي الاتجاه الأخضر مصممو الديكور وتجار الأثاث وصناعة الموضة الفرنسية، كما تعاونت الحكومة الفرنسية اعترافا منها بالقوة الشرائية للمرأة الامريكية. وتكونت لجنة ضيافة لفريق الموضة الخضراء ضمت بعضا من ألمع الأسماء النسائية في المجتمع الأمريكي آنذاك. وأقامت اللجنة سلسلة من حفلات العشاء دعت اليها ممثلي صناعات القطع الكمالية لتشجيعهم علي توفير القطع الكمالية الخضراء لتتمشي مع الأزياء الخضراء الواردة من باريس.
وعندما اشتدت الحملة ركب سائر المنتجين الموضة: طلاء أظافر أخضر زمردي، جواريب خضراء، أغلفة المجلات اخضرت ايضا. ورضخت المعارضة البريئة للعاصفة فعرضت سجائر كامل فتاة ترتدي نفس ألوان علبة سجائر لكي سترايك، أي الاخضر المقلم بالأحمر. وشكل هذا التصرف الأخير اعترافا من المنافسين ذاتهم بأن لكي سترايك هي قمة الموجة.
هذه الثورة الخضراء بلغت ذروتها عام 1934، أي في عز أزمة الكساد الاقتصادي الأمريكي. وهي تثير، كما يقول المؤرخ الأمريكي كافين رايلي، أسئلة طريفة وأخري أشد ازعاجا: كيف يبدد كل هؤلاء الناس - علي ذكائهم ونفوذهم - وقتهم وطاقتهم في هذا النشاط السخيف، بل الضار للصحة في نهاية الأمر، مع وجود قضايا اقتصادية أساسية تحتاج الي علاج ؟ وأي نوع من الفردية كان يبديه اولئك المثقفون والصحفيون وأعضاء المجتمع الراقي الذين شاركوا في الحملة ؟ وعندما ألقي الفنانون وعلماء النفس محاضراتهم في ذلك الخريف عن أهمية اللون الأخضر أكانوا يقولون ما يريدون قوله ؟ أكانوا يعربون عن اختياراتهم الخاصة أو عن شخصيتهم الفردية ؟ واذا كان قد جري التلاعب بهم حتي ظنوا ان قضية الأخضر قضية مهمة، فما بال كل النساء اللواتي اعتقدن انهن اخترن شراء الفساتين الخضراء ؟
لقد خصص كثير من حقول المعرفة الجديدة في القرن العشرين للتحكم في الجمهور والمستهلك. وتخصص الشركات الكبري عادة قدرا أكبر من الأموال للدراسات والبحوث والتدريب في مجالات تستهدف الاقناع لا الاستكشاف. وهناك اقسام علمية أكاديمية ومعاهد كاملة ومراكز بحوث ومؤسسات للنشر والاعلام (تدعمها الشركات الكبري عادة) للعمل من أجل اكتشاف طرق دائمة التجدد لصياغة الرأي العام أو رأي المستهلكين [11].
لا شك في ان هذه الجهود تؤول الي تقليص فرص الاستقلال الذاتي للفرد، وتسطيح شخصيته، وصب الفردية في أطر تافهة أو مظاهر زائفة. والأهم من ذلك - في اطار موضوعنا - ان المثقف يساهم أو يقوم بمعظم هذه الجهود: فكيف يمكن تمييز هذا النوع من المثقف عن المثقف الفرد كصوت مستقل؟
وكما تغيب الاستراتيجية النقدية عن المثقف الذي يساهم في فنون هندسة الاذعان والموافقة وأشباهها فانها تغيب اليوم أيضا عن الاتجاهات السائدة في أوساط المتخصصين في العلوم الانسانية والاجتماعية. يقول محمد أركون ان العلوم الاجتماعية التي يفترض بأنها ستساعدنا علي تحليل واقعنا واضاءة حاضرنا المعقد تكتفي بالوصف الحيادي او تقديم تقارير المعاينة المحدودة او التعليق علي الأحداث بعد حصولها، او تمارس استراتيجية المنفعة التجارية، أي بمعني أقدم لك معلومات وتقدم لي أموالا. وأما الفلسفة فقد أخذت تنحسر أكثر عن الساحة الثقافية بحجة انها تجريدية عقيمة لا طائل تحتها واخذ دورها يتضاءل تاركة المجال لمختلف الاختصاصيين في العلوم الاجتماعية. ويكتفي هؤلاء بالاستكشافات الموضعية المحدودة لمجالات معينة ويمتنعون عن تقديم أية تنظيرات عامة أو تقييمات شمولية للوضع. انهم يتقاسمون أرضية البحث العلمي عن طريق تخصصاتهم الضيقة كما كانت العشائر او القبائل القديمة تتقاسم الأراضي. فكل منطقة أصبحت محصورة بفئة معينة ولها زعيم معين، وهي واقعة في حالة تخاصم وعداء مع المناطق الاخري. وهكذا أصبحت العلوم الانسانية في الغرب متقاسمة من قبل التحزبات الضيقة، وكل حزب له زعيم فكري معين. ولم يعد هناك من أحد يستطيع أن ينص علي المباديء الأخلاقية العامة او القيم الروحية التي ينبغي أن تسود [12] .
تري هل تمكن استعارة مفهوم غرامشي لـ المثقف العضوي مع تحويره، ليناسب دور المثقف التابع ؟ المثقف الذي يبيع جهوده أو يسمح باستثمار جهوده في أعمال تحرف الفردية الي اتجاهات زائفة أو تافهة ؟أي المثقف اللانقدي علي العموم ؟ يذهب غرامشي في تحليله الاجتماعي للمثقف الي أن كل الناس مثقفون لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقف في المجتمع . ويصنف المثقفين، حسب وظيفتهم الفكرية في المجتمع، الي نوعين: تقليدي وعضوي. الأول يضم الذين يواصلون أداء العمل نفسه من جيل الي جيل مثل رجال الدين، المعلمين، والاداريين.
النوع الثاني، العضوي، يضم المستخدمين من قبل فئات أو مؤسسات تجارية وسياسية لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة، وزيادة السيطرة. ويقول غرامشي عن المثقف العضوي: ان منظم الأعمال الرأسمالي يخلق الي جانبه التقني الصناعي، والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لانشاء ثقافة جديدة او نظام قانوني جديد، الي ما هناك. فخبير الاعلان او العلاقات السياسية مثقف عضوي. انه انسان يحاول، في مجتمع ديمقراطي، كسب موافقة الزبائن المحتملين، ونيل الاستحسان، وتوجيه رأي المستهلك او الناخب. ان كل من يعمل في أي حقل مرتبط بانتاج المعرفة أو بنشرها هو مثقف، حسب مفهوم غرامشي. والنسبة بين ما يسمي بصناعات المعرفة وصناعات الانتاج المادي الفعلي ترجح علي نحو حاد اليوم في معظم المجتمعات الغربية الصناعية، لمصلحة صناعات المعرفة. ان رؤية غرامشي تبدو أقرب بكثير الي الواقع، خاصة في أواخر القرن العشرين، ومع بروز هذا العدد الكبير من المهن الجديدة أمثال المذيعين، محترفي العمل الأكاديمي، المستشارين الاداريين، خبراء السياسة، مستشاري الحكومة، مؤلفي التقارير التجارية المتخصصة، العاملين في مجال الصحافة الجماهيرية العصرية بكامله [13] .
والحال فان هيمنة المثقف العضوي تطرح تساؤلات عن دور المثقف النقدي وحجمه في المجتمعات الحديثة.
" القدس العربي "
حواشي
[1] نفسه ص 68.
[2] اشعيا برلين. حدود الحرية. ترجمة جمانا طالب. دار الساقي ، الطبعة الاولي 1992. ص6.
[3] ادوارد سعيد. مصدر سابق. ص 28و37.
[4] نفسه. ص 62 و72.
[5] شايغان ، مصدر سابق. ص 173 ـ 174.
[6] طرابيشي. مصدر سابق. ص 291.
[7] عبد الله العروي. مصدر سابق. ص 41 ـ 42.
[8] كافين رايلي. مصدر سابق. ص 268 ـ 273.
[9] كارل ماركس ، فريدريك انغلس. حول الدين. ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة - بيروت، الطبعة الثانية ص 104وص 23 بالتتابع.
[10] هيغل. المكتبة الهيغلية. الدراسات. المجلد الثاني (ويضم كتابين). ترجمة أ. د. امام عبد الفتاح امام. مكتبة مدبولي. وتعريف مفهوم الفردية اوجزناه من كتاب (هيغل والديمقراطية)، تأليف ميشيل ميتاس. انظر الصفحات: 796 ـ 815.
[11] كافين رايلي. مصدر سابق. انظر الصفحات 287 ـ 292.
[12] الاسلام ، اوروبا، الغرب .محمد اركون. ترجمة واسهام هاشم صالح. دار الساقي ، الطبعة الاولي 1995. ص 143.
[13] ادوارد سعيد. مصدر سابق. الصفحات 21 ـ 22 و25 ـ 26.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى