dracola
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هل التقمص ضروري لتحقيق العدل

اذهب الى الأسفل

هل التقمص ضروري لتحقيق العدل Empty هل التقمص ضروري لتحقيق العدل

مُساهمة  dracola الخميس يناير 28, 2010 1:21 pm

هل التقمص ضروري لتحقيق العدل

التقمص مفهوم فلسفي ، يدل على وجود عدة حيوات للإنسان الواحد في الدنيا ، تظهر بأجسام مختلفة في زمان ومكان آخر ، بمثابة فرص ليقوم الإنسان بتطهير نفسه ، وذلك لتحقيق العدل الإلهي .
لقد قمت بصياغة البحث بصورة حوار بين اثنين ، وذلك لمشاركة القارئ ، وتفاعله النفسي مع أسلوب الحوار ، ولتسهيل فهم الأفكار والبراهين من خلال عرض الفكر ، والفكر المضاد له .
إبراهيم : مرحباً أخ إدريس ؛ كيف حالك ؟
إدريس : أهلاً بك ؛ الحمد لله بخير ؛ وأنت كيف حالك ؟
إبراهيم : الحمد لله ؛ نعيش بفضله وعنايته ورحمته .
إدريس : سوف أدخل في نقاش موضوع التقمص فوراً ، وذلك لأنه يثير قلقي ، ويشغل ذهني منذ فترة ، ولم أستطع أن أصل إلى رأي استقر عليه .
إبراهيم : لا مانع من البداية في الحوار ، وقم بأداء دور الذي يتبنى مفهوم التقمص ، ودافع عنه بأقصى ما عندك من أدلة وبراهين ، وسوف أقوم بتحليلها وتركيبها ، وربطها مع الواقع ، وتفنيد أدلتها في حال ظهور ضعفها ، وانتفاء تماسكها .
إدريس : حسناً ! هذا الأسلوب يساعدني في عرض الفكرة بصورة قوية ، وأستطيع أن أرتب أفكاري وأدلتي ، هيا قم بعرض أسئلتك ؟
إبراهيم : ماذا تعني كلمة تقمص ؟
إدريس : إن كلمة ( تقمص ) أتت من ( قمص ) ، التي تدل على وقف ، أو قطع شديد بجمع متصل منته بحركة محددة ، وظهر ذلك بصور كثيرة في الواقع ، مثل؛ الرداء الذي يلبسه الإنسان ، واسمه قميصاً ، وحرف (التاء ) ، في كلمة (تقمص) ، هي تاء الجهد ، التي تدل على دفع خفيف .
إبراهيم : نعم ؛ ونستخدم ذلك للآبار ، فنضع أثناء حفرها اسطوانات حديدية في داخل الأرض لحماية البئر من انهيار جدرانه ، ويسمونها قمصاناً ، وذلك لأنها تنزل في البئر مثل القميص الذي يلبسه الإنسان .
إدريس : إن مثلك هذا ، قد أوضح لي فكرة ؛ وهي أن فعل التقمص أمر يتعلق بطبيعة الشيء فيمكن أن يكون التقمص خارجياً ، مثل قميص الإنسان ، أو داخلياً ، مثل قميص البئر .
إبراهيم : إن هذه الفكرة أوصلتنا إلى سؤال هام جداً ، ألا وهو ، هل التقمص فعل للنفس ، أو للجسم ؟
إدريس : إن فعل التقمص يتعلق بالنفس ؛ لا بالجسم .
إبراهيم : إذن ؛ الجسم سوف يهلك ، ويتحلل إلى عناصره الأولى التي خًُلق منها، بينما النفس تخرج منه ؛ لتدخل في جسم آخر في ذات اللحظة التي غادرت فيها الجسم الأول الفاني
إدريس : نعم ؛ إن النفس كائنة سرمدية ؛ لا تفنى ، أو تهلك ، وإنما تنتقل من جسم إلى آخر .
إبراهيم : إذاً ؛ موت الإنسان يقصد به خروج نفسه من جسده ، حيث يرجع الجسد إلى عناصره الأولى في التربة ، وتقوم النفس بالتقمص في جسم بشري آخر حديث عهد بالولادة ، أليس كذلك ؟
إدريس : نعم ؛ هذا مفهوم التقمص .
إبراهيم : هل عملية التقمص مستمرة للنفس بصورة دائمة ،أو لعدة مرات فقط ، ومن ثم يتم خروجها من هذا العالم الأرضي ؟
إدريس : إن مفهوم التقمص متعدد الرؤى .
أحدها ؛ يقول : باستمرار التقمص إلى ما لانهاية ، وبالتالي لا وجود لمفهوم البعث ، واليوم الآخر عندهم ، ويعتقدون أن الإنسان الصالح تتقمص نفسه في جسم بشري جديد ، والإنسان الشرير ، أو الفاسد تتقمص نفسه أجسام حيوانات ، وذلك عقاب له إلى فترة زمنية ، ويسمون ذلك ؛ مسخاً ، ومن ثم تعود نفسه لتتقمص جسماً بشرياً ، وهكذا تستمر الحياة الدنيا .
أما الرؤية الثانية للتقمص ؛ فتنطلق من إثبات اليوم الآخر ، والحساب ، فيقولون بوجوب إعطاء عدة فرص للإنسان ليقوم بتطهير نفسه ، وذلك من خلال منحه فعل التقمص ثلاثة مرات في الحياة الدنيا ، والتقمص عندهم لا يكون إلا في الأجسام البشرية ، بل ؛ ويحصر ذلك في النوع أيضاً ، بمعنى أن الإنسان الذكر تتقمص نفسه جسماً ذكرياً ، والأنثى تتقمص جسماً أنثوياً ، حيث يحافظ الإنسان على إنسانيته ، ونوعه في كل مراحل التقمص .
إبراهيم : وإلى أي الرأيين تميل أنت ؟
إدريس : أريد أن اسمع رأيك في مفهوم التقمص بصورة عامة .
إبراهيم : حسناً ؛ إن الرأي الأول الذي انطلق من نفي وجود اليوم الآخر ، هو رأي باطل يخالف العلم ، وذلك لأن الكون يسير في طريقه إلى الهلاك الحتمي ، وهذا برهان على وجود نهاية لهذا العالم ، وبداية لعالم جديد بنظام آخر ، وهذا ينقض مفهوم التقمص إلى ما لا نهاية في الحياة الدنيا.
إدريس : هل يمكن أن اعرف كيف أن فكرة نهاية ، أو هلاك العالم ينقض مفهوم التقمص الدائم ؟
إبراهيم : نعم ؛ إن التقمص الدائم كما عرضته أنت ، هو في الحقيقة تصور للحساب ثواباً أو عقاباً ، ويكون من خلال تقمص الإنسان الصالح في جسم بشري آخر ليعطي حياة واعية سعيدة ، وتقمص الإنسان الشرير في جسم حيوان ليعطي حياة شقية معذبة ، وهاتان الصورتان هما الثواب والعقاب ، فإذا تم توقف استمرار وجود الكون ، أو هلاكه ، اقتضى توقف عملية التقمص عند حد معين ، حيث يترتب عليها توقف الثواب أو العقاب ، وبحصول ذلك يتم نقض السبب أو الدافع لمفهوم التقمص ، وتبطل نظرية الثواب أو العقاب ، وإذا حصل ذلك انتفى عن واقع الإنسان مفهوم القيم ، والأخلاق ، والرادع ، والضمير ، ويصير مثل من يقول : ما هي إلا حياتنا الدنيا ، وما يهلكنا إلا الدهر ، فواقع حال هؤلاء مثل الدهريين تماماً .
أما الوجه الآخر لبطلان رأيهم ، فهو أن النفس كائنة سرمدية غير مادة الجسم ، فهي لا تفنى أو تهلك ، وعندما يهلك الكون ، ويتغير نظامه ، وتعود النفس التي اكتسبت مفاهيمها خلال مرحلة الحياة الأولى لتنزل في أجسام جديدة تتناسب مع العالم الجديد (اليوم الآخر) ، وحقيقة فناء الكون أو هلاكه ، وسرمدية النفس ، ينقضان بصورة قطعية مفهوم التقمص الدائم .
إدريس : بصراحة ؛ أنا أميل إلى مفهوم التقمص الثاني ، الذي يعتقد بوجود اليوم الآخر ، ولكن أحببت أن اسمع رأيك في مفهوم التقمص الدائم .
إبراهيم : لقد سمعت رأي ، فهل بقي في نفسك شك في بطلانه ؟
إدريس : كلا ؛ لقد ظهر لي بطلانه ، وأنه ليس رأياً علمياً .
إبراهيم : حسناُ ؛ ابدأ في عرض مفهوم التقمص المؤقت ؟
إدريس : إن من يعتقد بهذا المفهوم يعتمد على ثلاثة مسائل في إثباته ، وهي :
1-صفة العدل الإلهي .
2-القصص التي تجري في الواقع ، و لا يعرفون كيف تحصل .
3-بعض آيات القرءان ، وهذا خاص بالمسلمين الذين يؤمنون بالتقمص.
إبراهيم : حسناً ؛ لنناقش أدلتهم ، ونبدأ بالدليل الأول ؛ العدل الإلهي ، فماذا قالوا بهذا الصدد ؟
إدريس : لقد نظروا إلى واقع الناس ، فشاهدوا الغني والفقير ، والمريض والصحيح ، والقوي والعاجز ، وما شابه ذلك من تفاوت في فرص الحياة والتسهيلات ، فقالوا : لابد من تكافؤ الفرص ، وينبغي أن يُمنح الإنسان أكثر من فرصة ليعبر عن نفسه ، ويطهرها من آثامها ، وذلك من باب الفرصة الثالثة ؛ ثابتة ، وهذا لتحقيق العدل الإلهي ، وغير ذلك ، هو نقض لصفة العدل ، وظلم للإنسان .
إبراهيم : إذاً ؛ الأمر بداية ؛ ينتفي عنه وجود البرهان العلمي ، أو العقلي ، فالمفهوم قد تم بناءه على رؤية نفسية مشاعرية ، وذلك عندما ظنوا أن الفرصة الواحدة غير كافية ليعبر الإنسان عن نفسه ، وبالتالي ؛ لابد من إعطائه أكثر من فرصة ، وبناء على هذه الرؤية الظنية قالوا : إن صفتي العدل والحكمة الإلهية تقتضيان مفهوم التقمص ، ونفي التقمص ؛ ينقض كمال صفتي العدل والحكمة ، وهذه العلاقة الجدلية جعلوها برهاناً لإثبات مفهوم التقمص .
وهذا الأسلوب المنطقي هو مناورة ، وتلاعب بترتيب الأفكار، وبنائها على ذاتها ، وتحليلها والاستنباط منها ،
لذا ؛ لابد من إعادة عرض الأفكار ، وتحليلها وتركيبها من جديد .
أول مسألة ينبغي أن نثبتها ؛ هي أن الحياة الدنيا دار ابتلاء ، وامتحان في عمارة الأرض ، والخلافة فيها ، فمن الطبيعي ؛ بل اللازم أن يكون فيها القوي والضعيف ، الصالح والطالح ، العادل والظالم ، لأن الحياة الدنيا قائمة على قانون ثنائي ؛ و زوجي في العلاقات بين الأشياء ، ولا يمكن أن ينتفي أحدهما ، وافتراض نفي أحدهما ، هو رأي وهمي ، لأن كل واحد منهما يستمد وجوده من الآخر ، وإذا انتفى أحدهما ؛ انتفى الآخر ضرورة ، وهذا يدل في واقع الحال على أن الإنسان في حالة امتحان , وابتلاء دائمة ، سواء أكان ذلك بالخير أم بالشر ، بالصحة أم بالمرض ، وكل إنسان يأخذ جزاءه حسب مادة الابتلاء وصعوبتها ، وذلك لتحقيق العدل الإلهي بين الناس ، ويستحيل على الإنسان أن يدرك مقاصد ، وحِكم الله – عز وجل – في الواقع ، وتظهر معرفة هذه الأمور للناس عبر الزمان مع توسع مداركهم المعرفية ، وتطور أدواتهم العلمية ، فالإيمان ضروري للإنسان ، ونحن نتعامل مع عالم لا مرئي ، ما يعني أن دائرة الغيب أكبر بكثير من دائرة الشهادة ، والإيمان بالغيب مسألة علمية ؛ لا مجرد تصورات شخصية ، لأن المفاهيم الغيبية مؤسسة على عالم الشهادة ، حيث أن عالم الغيب أصل لعالم الشهادة ، وعالم الشهادة دليل على عالم الغيب .
المسألة الثانية ؛ افترضوا أن الحياة الدنيا بمرحلة واحدة غير كافية ليعبر الإنسان عن نفسه بها ، أو يطهرها من الآثام ، وبالتالي ألزموا الخالق لتحقيق عدله وحكمته أن يجعل للإنسان أكثر من فرصة في الحياة ، وقاموا بعكس الاستدلال ، فقالوا: إن صفتي العدل الإلهي وحكمته تقتضيان مفهوم التقمص !، وهذا الاستدلال باطل في واقع الحال من عدة وجوه :
أ‌- كيف لا تكون الفرصة الواحدة التي تأخذ حقها من الوقت ؛ غير كافية للتعبير عن مستوى الإنسان ؟
ب-إن إعطاء فرصة ثانية أو أكثر هي مسألة متعلقة بإرادة الخالق ، ولا يمكن أن نعرفها إلا إذا أخبرنا بها بصورة قطعية ، لا ظنية .
ت- ما هو البرهان العلمي على أن التقمص ثلاث مرات كاف لتحقيق العدل الإلهي ، ولظهور مستوى الإنسان بصورة قطعية ؟ ولماذا لا تستمر عملية التقمص حتى يصل الإنسان إلى صورة يثبت فيها أنه صار صالحاً ؟ وبالتالي يموت الموتة الأخيرة ، كما يقول بعض الفلاسفة ، وذلك لتحقيق صفة الرحمة الإلهية بجانب صفة العدل ؟
وكما هو ملاحظ في الرأي الأخير (استمرار التقمص مرات للوصول إلى طهارة النفس) أنه ينقض أساس مفهوم الابتلاء والامتحان ، ويبطل الثواب والعقاب ، فهو رأي باطل يناقض الواقع الثنائي الجدلي ، أما مسألة تحديد التقمص بثلاث مرات فقط ، فهذا أمر صدر من رغبة الإنسان ، ولم يصدر من الخالق نفسه ، وليس مشاهد على أرض الواقع .
ث-إن مفهوم التقمص ينقض صفة الحكمة الإلهية ؛ إذا كان الإله يريد النجاة للجميع ، ويصير مفهوم الابتلاء عبث ، كما أن وجود المعاناة والشقاء دون مفهوم الابتلاء ينقض صفة الرحمة الإلهية أيضاً !.
ج-إن مفهوم الامتحان والابتلاء يقتضيان إعطاء الإنسان العلم به ، والوقت الكافي ، والقدرة على القيام به ، وهذه الأمور قد تحققت في مرحلة حياة الإنسان في الدنيا ، منذ بلوغه بداية سن الرشد إلى موته ، ولا يصح قياس ذلك على الفرص التي تُعطى للرياضي مثلاً في أداء لعبته ، فهذا قياس باطل ، ألا ترى أن الرياضة ذات الوقت الطويل ، التي تحتوي في داخلها على احتمالات كثيرة لتحسين أداء الإنسان ورفع مستواه ، لا يُعطى فرصة أخرى أبداً ، ويتم الحكم عليه بناء عليها .
وهكذا حياة الإنسان في الدنيا ، فهي مرحلة كافية لظهور مستوى الإنسان ،وتزكية نفسه أو تدسيتها ، وبالتالي تصير الفرصة الثانية تكرار للأولى مهما تعددت ، أو اختلف مستوى الإنسان ، فإن ذلك يحصل ضمن دائرة التزكية ، أو دائرة التدسية ، ولا يمكن أن ينتقل من دائرة إلى أخرى .
إدريس : ولكنهم يقولون : عندما يحدث التقمص في جسم جديد تُفرغ النفس من كل ما اكتسبته من مفاهيم ( فرمتة )، وترجع إلى فطرتها مستعدة للتشكيل في صورة جديدة حسب البيئة والظروف التي ظهر فيها الإنسان .
إبراهيم : إن هذا الافتراض ينقض مفهوم التقمص ، ولا يثبته !.
إدريس : كيف ذلك ؟
إبراهيم : لنفترض أن زيداً يعيش في فرصته الأولى ، وقد قام بتشكيل شخصيته من حيث المفاهيم والسلوك ، وصار يُعرف بهذه الشخصية التي صارت هويته ودلالة عليه ، لأن الذي يميز الإنسان عن الآخر هو الشخصية ، لا الجسم ، ومات زيد من خلال مفارقة نفسه لجسمه ، والجسم كما هو مشاهد يرجع إلى أصله تراب وماء ، أما النفس فهي كائنة سرمدية ، فإن قلنا إن النفس يتم تفريغها من المفاهيم ، وإرجاعها إلى فطرتها ، نكون قد محونا شخصية زيد ، ومثل ذلك كمثل تشكيل آلة من عدة مواد ، حيث صارت آلة لها وظيفة واسم يميزها عن غيرها ، فإن قمنا بعملية تفكيك الآلة ، وإرجاع كل مادة إلى أصلها ، نكون قد محونا الآلة من وجودها الوظيفي ، ورجعت إلى أصلها مادة خام ، فإن قمنا بصنع آلة جديدة مختلفة في الوظيفة من ذات المواد ، لا نحصل على الآلة القديمة أبداً ، ومثل ذلك كمثل نظام ويندوز، فالأصل في نسخه الكثيرة ، التطابق في المضمون من حيث المحور الثابت ، أما عندما يصل إلى المستخدم يقوم بتعبئته بأوامر وبيانات جديدة خاصة به في المحور المتغير ، حسب حاجته ، وبذلك أعطى لنظام ويندوز هوية متعلقة بالمعلومات الجديدة ، فإذا قام بتفريغه ( فرمته ) يكون قد محى هوية النظام وخصوصيته ، وأرجعه إلى ما كان عليه أصلاً ، نسخة مثل غيره تماماً ، ينتظر من يشكله بشخصية جديدة .
وهكذا نفس الإنسان قبل دخولها في جسمه ، وتشكيلها على أرض الواقع الاجتماعي والبيئي ، فافتراض مسألة تفريغ نفس الإنسان ، ودخولها مرة ثانية في جسم جديد ، يترتب على ذلك ذهاب (فرمته) نفس زيد إلى الأبد ، وظهور نفس أخرى لا علاقة لها بزيد أبداً ، ما يعني أن كل حالة تقمص للنفس في حال حصولها تقوم على أنقاض الشخصية السابقة ، ولا يستطيعون نفي تفريغ النفس من مفاهيمها ، وما اكتسبته من رواسب أثناء حياتها ، لأن ذلك ينفي الحكمة من التقمص أصلاً ، ويُعيد الإنسان نفسه ، وإذا أصروا على التقمص مع إثبات تفريغ النفس ، يلزم من قولهم وجود حياة مستقلة لكل مرحلة على حدة ، وتكون بالنسبة إلى صاحبها الفرصة الوحيدة ، وفي النهاية سوف تفنى كل هذه الفرص بشخصياتها ، وبالتالي يكون الوجود هو لآخر شخصية تشكلت ، وإذا حصل ذلك فيعني أن صاحب الشخصية الأخيرة قد عاش مرة واحدة فقط لا غير ، فتأمل يا صاحبي !.
إدريس : يخطر في ذهني مسألة اختلاف عدد الولادات عن عدد الوفيات في المجتمع الإنساني ، إذ لو كان مفهوم التقمص في الواقع صواباً لتساوت حالة الولادات مع حالة الوفيات ، وبالتالي ثبت عدد سكان الأرض لا يزيد أو ينقص .
إبراهيم : هذه حالة من حالات التقمص ، فهم يقولون بالتقمص لثلاثة مرات فقط ، وبالتالي لابد من الموت الذي لا رجعة فيه للنفس ، وعندئذ يتم عملية النقص لعدد سكان الأرض ضرورة ، ويفسرون الزيادة بسبب خلق نفوس جديدة ، بجانب التقمص للنفوس القديمة .
وهذا الافتراض باطل في واقع الحال ، انظر على سبيل المثال لمجتمع توفي فيه ألف إنسان ، وولد فيه عشرة آلاف ، فالألف الذين ماتوا سوف يظهرون في شكل ولادات جديدة في مكان آخر ، والعشرة آلاف الذين وُلدوا ينبغي أن يكون جزء منهم – ولنفترض النصف – هو وفيات في مكان آخر، ظهرت في هذا المجتمع من جديد .
ولنقم بعملية التعويض ، حيث أن الألف الذين ماتوا ، هم الذين وُلدوا في مكان آخر ، فتصير النتيجة صفر ،لا زيادة ولا نقصان ، وإذا افترضنا أن نصف العشرة آلاف ؛ حالات ولادة لناس قد ماتوا في مكان آخر ، نصل إلى أن النفوس الجديدة هي خمسة آلاف فقط ، وبهذا المثال نصل إلى احتمالين :
الأول : ينبغي أن يكون عدد زيادة سكان الأرض بطيء جداً ، والواقع غير ذلك .
الثاني : ينبغي أن يكون عدد زيادة سكان الأرض أضعاف مضاعفة عن العدد الحالي ، وذلك لوجود التقمص ، والخلق الجديد للنفوس .
وحسب مفهوم التقمص يقتضي صواب الاحتمال الثاني ، ولتقريب المثل ، انظر إلى مجتمع ما ، وقم بوضع حالات أفراده في جدول يغطي كل حالات التقمص بفرصه الثلاثة ، والخلق الجديد للنفوس .
1- مجموعة تعيش في الفرصة الأولى .
2- مجموعة تعيش في الفرصة الثانية .
3- مجموعة تعيش في الفرصة الثالثة .
4- مجموعة ينتقلون من فرصة إلى أخرى ( ولادات تقمصية ).
5- مجموعة خُلقت حديثاً ( ولادات خَلقية ) .
6- مجموعة أنهت فرصتها الثالثة والأخيرة ( الوفاة دون رجعة )
فنصل إلى أن عدد تكاثر سكان الأرض ينبغي أن يكون مهولاً بصورة كبيرة جداً مثل النمل ، والواقع يشهد بخلاف ذلك !.
إدريس : إن مفهوم التقمص عقيدة يحملها عدد كبير من سكان الأرض ، وفيهم فلاسفة كبار ، فماذا تفسر ذلك ؟
إبراهيم : إن الفكرة تستمد صوابها من برهانها ، وليس من صاحبها ، أو من كثرة القائلين بها ، أو مكانتهم الفلسفية ، أو العلمية .
إدريس : هل أفهم من كلامك أنهم على ضلال ؟
إبراهيم : نعم ؛ إنهم على ضلال ، وهذا لا يعني الإجرام ، أو العداوة ، أو الكره والحقد ، وإنما يعني أنهم وقعوا في الوهم بسبب طريقة تفكيرهم ومنهجهم التي انتفى عنها صفة العلمية والواقعية ، ولا تنس أنهم في النهاية يؤمنون باليوم الآخر الذي هو أحد محاور الإيمان ، لذا ؛ أنا أعد أن إثبات مفهوم التقمص المؤقت ، أو نفيه ، سواء في النتيجة ، لأن كل إنسان يمكن أن يكون يمثل الحالة الأخيرة للتقمص ، وبالتالي فهو مسؤول عن شخصيته من حيث المفاهيم والسلوك .
إدريس : ماذا تفسر سبب هذه الظواهر التي يتداولونها لإثبات التقمص ؟
إبراهيم : عظيم ، لقد ذكرت كلمة ( تفسير ) في سؤالك ، وهي تدل على وجود انفعال وتفاعل الإنسان مع الحدث ، ومن هذا الوجه ينبغي أن تفرق بين حصول الحدث ، وتفسيره ، فالتفسير هو عملية تتم في الذهن بناء على معطيات معينة ، قد تكون داخلية من النفس ، وقد تكون خارجية من الواقع ، فإن كانت معطيات نفسية داخلية ، فهي إسقاط ما في النفس على الحدث ، وإن كانت خارجية مبنية على دراسة ، وتحليل وتركيب ، واستنتاج من الواقع ، فهي تفسير علمي مرتبط بالواقع.
والسؤال الذي يفرض ذاته هو ، هل مفهوم التقمص تفسير علمي للأحداث ، أو تفسير نفسي داخلي للأحداث ؟
بمعنى آخر ، إن من قال بالتقمص بناء على هذه القصص انطلق من نفي معرفة سبب حصول هذه الأحداث ، فقال : إذاً ؛ لابد من إثبات مفهوم التقمص ، فهو اعتمد على نفي العلم لإثبات المفهوم ، وهذه طريقة ضالة في تفسير الأحداث ، لأن نفي العلم عن كيفية حصول حدث ، لا يصلح أن يكون برهاناً لإثبات شيء ، فالعلم ؛ دراسة ، واكتشاف السبب ، والقانون الذي يحكم الشيء ، فإن لم تستطع الوصول إلى معرفة أسباب حصول الشيء ، ما ينبغي أن تهرب من الدراسة والعلم إلى تفاسير وهمية ، بل ؛ وتطالب الآخرين بنقضها ، وإثبات بطلانها !، فيصير مثلك مثل من سأل : من قام ببناء هذا السد على النهر ؟ فرد عليه آخر قائلاً: أنا الذي بنيته ، فأجابه السائل : ما برهانك على ذلك ؟ فرد عليه : هل أنت بنيت السد ؟ فقال السائل : لا ؛ لم أبن السد ، فأجابه : إذاً ؛ أنا الذي بنيته !.
وهذه الأحداث والقصص من هذا القبيل ، فعندما لم يعلموا على وجه الحقيقة سبب كيف حصلت في الواقع ، قالوا : عدم علمنا بالسبب ؛ برهان على مفهوم التقمص ، وإذا لم تصدق ذلك ، فأخبرنا عن سبب حصول الأحداث !!؟
إدريس : فعلاً إنها مناورة كلامية ، ومغالطة في التحليل والتركيب والاستنتاج !.
إبراهيم : إن معظم الضلال في الأرض حصل من طريقة تفكير وهمية ، ومقلوبة النتائج ، مثل مقولة : النفي برهان على الإثبات ، والصواب هو نفي النفي إثبات ، ونفي العلم عن شيء لا يصلح استخدامه برهان على إثبات شيء آخر .
إدريس : لقد وصلت بفضل من الله ، ثم بفضلك إلى ترتيب طريقة التفكير والتحليل ،وعرفت أن مفهوم التقمص ؛ وهم في وهم ، ولكن أريد أدرس وإياك بعض من النصوص القرآنية التي يستدل بها من يقول بالتقمص .
إبراهيم : إءتني بأهم النصوص ، وأصرحها في الدلالة على مفهوم التقمص ؟
إدريس : بعد أن قرأت النصوص التي يستدلون بها ، وجدت نصين هما العمدة في بناء مفهوم التقمص عندهم ، وهما :
1 - (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)
(البقرة 28 )
2 - ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) (غافر11).
إبراهيم : إن فهم النص القرآني لا يمكن أن يحصل من دلالة مفرداته فقط ، أو فصله من المنظومة القرآنية ودراسته وحده ، بل لابد من فهم المفردات لساناً ، وفهم النص وفق المنظومة الخاصة به ، وإسقاط ذلك على الواقع ، لأنه محل الخطاب ، والنص المعني بالدراسة ينتمي إلى منظومة الموت والحياة .
كلمة الموت ؛ تدل على فقدان الفاعلية ونفي إنتاج الطاقة ذاتياً ، وتشمل الموت المادي ، والموت الروحي ، اقرأ قوله تعالى : ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ..) ( الأنعام122) .
كلمة الحياة ؛ تدل على الفاعلية والإنتاج للطاقة بصورة ذاتية ،وتشمل الحياة المادية ، والحياة الروحية .
وبناء على هذا التعريف صُنفت الكائنات الحية ، نحو ، الإنسان ، والحيوان ، والنبات ، والكائنات الميتة نحو، التراب ، والأخشاب ، والأحجار.
والنص القرآني الأول يثبت أن حالة الموت هي الأولى والسابقة عن الحياة ، اقرأ قوله تعالى : (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنها يأكلون ) ( يس 33 ). فالأرض بعناصرها هي مادة ميتة ، وفعل الحياة لها كان من خلال نزول الماء عليها فاهتزت وربت ، وأنتجت الزرع ، وصارت فاعلة ، وضمت في رحمها الحياة الفاعلة المتمثلة بالنبات ، وهذه صورة للحياة المادية .
والإنسان في أصله من تراب وماء ، وهما كائنات ميتة ، هذه صورة للموت ، والأخرى هي وجود البشر دون وعي وإدراك ، وهذا تفسير كلمة ( وكنتم أمواتاً ) وعملية الإحياء تمت بصورتيها مع فاصل زمني بينهما ، وهذا تفسير كلمة
( فأحياكم ) ، انظر إلى حرف ( ف ) الذي يدل على العطف والتعاقب ، وعملية جعل تكاثر الجنس الإنساني من ماء مهين فيما بعد ؛ لا ينفي أصل مادته الميتة التي خُلق منها ، انظر إلى أصل تكوين النطفة في الجسم كيف تحصل من كائنات ميتة بداية ، ويتابع النص ( ثم يميتكم ) انظر إلى حرف ( ثم ) الذي يدل على عطف مع التراخي في الزمن ، وهذا دليل على أن مرحلة الموت هذه تأتي بعد فترة زمنية للحياة يعيشها الإنسان في دار الابتلاء ، وهذا دلالة فعل المضارع ( يميتكم ) ويتابع النص ( ثم يحييكم ) أيضاً أتى حرف العطف ( ثم ) ليدل على أن مرحلة الموت السابقة سوف يمر عليها زمن ( يحييكم ) ،ويتابع النص ( ثم إليه ترجعون ) ليدل على أن عملية الرجوع إلى الله –عز وجل – سوف تكون بعد فترة زمنية من الإحياء .
خلاصة تفسير النص
1-كنتم أمواتاً ----- التراب والماء ، ووجودكم كائنات غير عاقلة .
2-فأحياكم ----- بدء الحياة للأجسام ، والنفخ فيه من الروح (الوعي ) .
3-ثم يميتكم ---- انتهاء حياة الإنسان في الدنيا بعد فترة من الحياة.
4-ثم يحييكم ---- عملية البعث والحياة في الآخرة بعد فترة من الموت
5-ثم إليه ترجعون --.-- بدء عملية الحساب بعد فترة من الإحياء.
اقرأ قوله تعالى : (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ) الحج 66) ، بدأ الله بفعل الحياة أولاً ، وهذا يقتضي ضمناً أننا كنا أمواتاً ، ثم عطف الموت على هذه الحياة بحرف ( ثم ) وعطف الحياة على الموت بحرف ( ثم ) ،ليصير النص يحدد ثلاث مراحل :
1-أحياكم ------ من بعد أن كنا مادة ميتة ( تراب وماء ) .
2-ثم يميتكم ---- من بعد حياتنا في الدنيا .
3-ثم يحييكم ---من بعد الموت في الدنيا ، وذلك البعث والحياة في الآخرة .
اقرأ قوله تعالى : (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ) (الأنعام 95 ) .
1-يخرج الحي من الميت --- نمو الكائنات الحية ، والزرع من الأرض الميتة .
2-ومخرج الميت من الحي --- مثل الصوف والوبر والحليب والأخشاب.
إدريس : بناء على هذا التفسير لا يوجد أي دلالة لمفهوم التقمص في النص لا من قريب ، ولا من بعيد .
إبراهيم : نعم ؛ إنه كذلك ، فمفهوم التقمص قد تم إسقاطه على النص إسقاطاً بصورة تعسفية ، خالية من المنطق والدراسة الموضوعية ، انظر مثلاً لو جاريناهم في مفهومهم كيف يمكن أن نفهم النص ، أول جملة ( وكنتم أمواتاً ) أقول : الموت للشيء لابد له من أن يكون حياً أولاً ، وبالتالي مرحلة الموت الأولى يسبقها مرحلة حياة ضمناً قد سكت النص عنها ، وإذا كان الأمر كذلك ، أقول : إن مرحلة الحياة أيضاً لابد أن يسبقها مرحلة الموت ، وهكذا دواليك بصورة تسلسلية ، ومن المعلوم أن فرضية التسلسل للخلق باطلة ، ما يدل على أن جملة (وكنتم أمواتاً ) غير معنية بالصورة الإنسانية الحالية ، وإنما معنية بأصل خلق الإنسان ، الذي هو تراب وماء ضرورة ، وأتت جملة ( فأحياكم ) لتدل على بدء نشوء الحياة بأبسط صورها ، إلى أن وصلت إلى الصورة التي ارتضاها الخالق للإنسان .
إدريس : لا أريد أن أتعمق أكثر في الموضوع ، فالذي يهمني هو بطلان مفهوم التقمص ، لذا ؛ تابع تفسير النص القرآني الثاني ؟
إبراهيم : إن الأفكار مترابطة مع بعضها ، وتشد بعضها بعضاً ، ويصعب أحياناً أن تقف عند جزء منها ، ومع ذلك سأتابع تفسير النص الآخر .
2- ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) (غافر11.)
لاحظ استخدام النص لكلم (اثنتين) وهي غير كلمة ( مرتين ) ، فعلى ماذا تدل كل منهما ؟
مرتين : كلمة تدل على تكرار الحدث ، مع وجود فاصل زمني بينهما .
اقرأ قوله تعالى : [ الطلاق مرتان ] (البقرة 229)
وقوله [ ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً ] ( الأحزاب 31)
وقوله : [ أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ...] (التوبة 126)
اثنتين : كلمة تدل على تكرار الحدث ، بصورة متصلة .
اقرأ قوله تعالى : [ فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثُلثا ما ترك .] (النساء 11)
وقوله [ فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ...] (النساء 176)
إذاً ، النص - ابتداءً - لا يتكلم عن مراحل الموت أو الحياة بصورة منفصلة عن بعضهما ، بل يتكلم عن مرحلة موتٍ أو حياة بصورتين ملتصقتين ، فما هما هاتان الصورتان ؟
بداية ، ينبغي أن نستحضر المفهوم الثابت لدينا ، المتعلق بالموت والحياة بصورتيه المادية والروحية ، الذي هو دلالة النص القرآني (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) (البقرة 28.)
1-( وكنتم أمواتاً) أي مواد ميتة ، التي هي التراب والماء، اقرأ قوله تعالى: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنها يأكلون ) ( يس 33 ).
2- (فأحياكم) بدء عملية الخلق للبشر،ثم نفخ النفس فيه من الروح ، ليصير عنده حياة الجسم ، وحياة الروح من خلال الوعي ، والإدراك ، والالتزام بالروح الكونية ، والشرعية ، وهاتان هما صورتي الحياة ( المادية والروحية ).
3- (ثم يميتكم) موت الإنسان بخروج نفسه من جسمه ، ويترتب على ذلك توقف فاعلية نفسه
إذاً ، لا يمكن للإنسان أن يموت اثنتين بصورة الموت الجسمي ، ما يؤكد - ضرورةً - أن دلالة (أمتنا اثنتين) متعلقة بالجسم ؛ وبشيء آخر غيره ، في وقت واحد ، ولدى الدراسة ، نجد أن صورة الموت الثانية ، هي موت روح الإنسان ، وكلمة الروح تدل على أمر الرب ، وفي الواقع ، هي مجموعة السنن والقوانين التي تحكم الوجود كله ( الروح الكونية ) ؛ وتدل على أمر الرب الشرعي ؛ الذي تمثل برسالته للناس ، اقرأ قوله تعالى: ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ) (الشّورى 52.) ، ليصيرا روحاً واحدة منسجمتان مع بعضهما بعضاً - الروح الكونية ، والروح الشرعية - ، ويجب على الإنسان أن يلتزم بهما معاً ، ويتحرك في الكون وفق روحه ( سنن وقوانين ) ، ويتحرك -اجتماعياً - وفق روح المجتمع ، المنضبط بروح الشرع الإلهي ، فيصير هذا الإنسان حياًّ في جسمه ، وحياًّ في روحه ، أمّا الذي يكفر ، ويُفسد في الكون ، ويكفر بشرع الله ؛ يصير حياًّ في جسمه ، وميتاً في روحه ، التي يعقبها موت جسمه نهاية بصورة متصلة ، وهذه هي دلالة ( أمتنا اثنتين ).
أما دلالة ( أحييتنا اثنتين ) ، فالحياة الأولى للجسم ، وتكون من خلال البعث والحياة في الآخرة ، والثانية الملتصقة بها، هي حياة الروح عند الكفار، لمّا يدركون الحقيقة بأم أعينهم ، ويتطهرون من شركهم وأوهامهم بواسطة النار، لذلك قالوا : ) فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل )
أمّا المؤمنون فلا يذوقون إلا الموتة الأولى ؛ التي هي الموت الجسمي بعد حياتهم في الدنيا ، ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ] (الدخان 44)، فالمؤمنون يحيون في الدنيا اثنتين؛ حياة الجسم ، وحياة الروح ( فاعلية وإيمان وانسجام مع الكون)، ويموتون موتة واحدة ( موت الجسم )، ليحيون بعدها في الآخرة اثنتين؛ حياة الجسم ، وحياة الروح ( فكراً وتأملاً وسعادة وسروراً )، اقرأ قوله تعالى :
) إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ) ( طه 74 )، فالكافر لا يموت في النار من الناحية الجسمية، فهو حي ، وليس هو حياً من الناحية النفسية ، فهو الميت الحي ، وما أكثرهم في الحياة الدنيا .
فيكون المؤمنون قد عاشوا حياتين فاعلتين سعيدتين ، في الدّنيا ، من خلال الالتزام بالرّوح التي أنزلها الله (القرآن) ، والروح الكونية، وفي الآخرة , من خلال فوزهم بالجنة , ورضوان الله عليهم .
قال تعالى أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) (الأنعام 122.) ، وقال: ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ) (الشّورى 52.)
وقال: ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (النّحل 97.)
إدريس : كفى ؛ لقد امتلأت فكراً ، ولم يعد متسع لغير ذلك ، سوف أفكر وأدرس ما عرضت علي من أفكار، وأدلة ، بصورة موضوعية ، رغم ظني أني قد وصلت إلى أن النصين القرآنيين ؛ لا يدلان على مفهوم التقمص أبداً .
إبراهيم : هذا من دواعي سروري ، والفضل أولاً ، وآخراً لله – عز وجل – على توفيقه .

dracola
Admin

عدد المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 27/01/2010
العمر : 40

https://wings.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى