مبادئ فلسفة الحق عند فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر
مبادئ فلسفة الحق عند فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر
مبادئ فلسفة الحق عند فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر
(1645 – 1583) : Hugo de Groot dit : Grotius. قروتييس
هو حقوقي، ودبلوماسي، ومؤرخ، وفقيه لغوي هولندي، يعرض فلسفته السياسية خاصة في كتابه "حق الحرب والسلم" «le droit de la guerre et de la paix » الذي ألفه سنة 1625 وأهداه للويس الثالث عشر عندما كان سفيرا في فرنسا. ويتألف هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء يفسر فيها قروتييس الحق الطبيعي، ويقدّم فيه خاصة مبادئ الحق العام والقانون الدولي.
والمبدأ الأساسي الأول الذي يصوغه في هذا الكتاب يتعلق باستقلالية الحق الطبيعي الذي ينفصل معه عن الألوهية ويتميز في نفس الوقت عن الأخلاق وعن السياسة والحق الوضعي. فالحق الطبيعي عنده مؤسس على الطبيعة الإنسانية، وبالتحديد على المبدأ العقلاني للخاصية الاجتماعية للطبيعة الإنسانية، فالإنسان له ميل طبيعي للاجتماع.
وبناء على ذلك فإن الحق الطبيعي لا يؤسسه ولا يحدده أي مشرّع وضعي، إذ هو كوني وأزلي. وانطلاقا من ذلك يقدم قروتييس نظرية فردانية ـ Individualiste ـ حول المجتمع، ذلك أن المجتمع لا يمثل شراكة بأتم معنى الكلمة، بل أنه يتولّد عن الإرادة العاقلة للناس التي تدفعهم للاتحاد بما هو ضمان للحقوق الفردية، وخاصية الملكية.
والمبدأ الأساسي الثاني هو فكرة التعاقد التي تمثل أساس قيام الدولة والمجتمع المدني. فالدولة هي "جسد" كامل يتكون من أشخاص أحرار اجتمعوا للتمتع بطريقة سلمية بحقوقهم وبمصلحتهم المشتركة. لذلك ينظر قرونييس إلى دولة قوية تجعل خاصة التجارة مزدهرة وتكون قادرة على إحلال السلم الداخلي والخارجي. فتكون المصلحة العامة الغاية الأساسية للدولة التي وإن كانت متكونة من أفراد، تتعداهم باعتبارهم أفرادا ولا تنتفي معهم إذ هي متأبدة.
أما المبدأ الثالث فيجعل من قروتييس على حد عبارة "Simone Goyard - Fabre" «أب القانون الدولي». ففي فترة تاريخية زاخرة بالنزاعات بين الدول الأوروبية، وفي حين كان بعض المفكرين أمثال ـ Machiavel ـ ينادون بحلها بواسطة القوة، دعا فروتييس إلى إقامة هذه العلاقات على الحق الذي يؤسسه العقل. لذلك فإنه لا يعتبر الرقعة الأرضية التي تقوم عليها الدولة عنصرا في الدولة. إذ لا تمثل في أقصى الحالات إلا موضوع حق ملكية وسيادة، وهو حق تحده حدود مرتبطة بالعلاقات بين الدول، وخاصة المرور في المياه الإقليمية بالنسبة للسفن الأجنبية. على كلّ للحق الطبيعي وجود مطلق متعاليا على كلّ قوة، كما تتميز حالة الطبيعة بالعقل الذي يمنع الانسان من دخول في حالة الحرب بالرغم من وجود ميل طبيعي عند الانسان للسلطة والتسلط.
1679 – 1588 : Thomas Hobbes -: هوبز
ينطلق هوبز من فهم ميكانيكي للإنسان، فالإنسان هو رغبة في ضمان البقاء، وهو رغبة حرة، والحرية عنده هي الضرورة التي لا تمنعها الحيثيات الخارجية من الحركة. ذلك أن الإنسان، من جهة جسده، له حركة حيوية ينتجها دوران الدم، وتتمظهر في مستوى الحركة الحيوانية التي تمثل من جهة كونها كوناتوس Conatus، رغبة تتطور وفق الانفعالات و الإرادة ومن جهة أخرى مجموعة من ردود الأفعال للأجزاء الداخلية للجسد التي تحركها الأجسام الخارجية، أي الإحساسات. والأفكار ليست إلا حركات داخلية تسببها حركات خارجية تظهر في شكل أحاسيس وتخيلات وذكريات. وعلى أساس هذه التجربة المعقلنة لحركات الجسم و الروح يبني هوبز علم السياسة والأخلاق. فما قام به "قاليلي" في الفيزياء، يسعى هوبز لانجازه في السياسة.
لذلك ينطلق هوبز من تساوي الأفراد في القوة الفيزياوية و الروحية في حالة الطبيعة، بما أن الأضعف له دائما من القوة ما يمكنه من قتل الأقوى. و بما أن كلّ فرد يسلك وفق الحركة الحياتية التي تنحى لحماية ذاتها، أي إلى الاستحواذ على كلّ شيء يمكنها من ضمان حياتها وفق حسابات العقل، فإنه ينتج عن ذلك حالة توازن بين كلّ الأفراد. و هذه الحالة التي يكون فيها الحق لكل فرد على كلّ شيء هي حالة حرب تهدّد بقاء كلّ فرد من الأفراد. و حالة الطبيعة بناء على هذا الفهم الميكانيكي للإنسان لا تتضمن الاجتماع ولا العمل ولا الفنون... فهي حالة يكون فيها الفرد معرضا في كلّ لحظة للموت القسري. وبما أن الانسان ليس له أي ميل طبيعي للاجتماع فإن ما يدفع الأفراد للتعاقد والاجتماع هو الخوف كانفعال مهيمن في حالة الطبيعة.
والدولة تنشأ ،إذن، عن تعاقد يتخلى بموجبه كلّ فرد عن حقّه على كلّ الأشياء لصالح المجموعة في يد رئيس يجمع بهذه الكيفية القوة المطلقة. لذلك فإن صاحب السيادة لا يرسي النظام إلا باسم مصلحته الخاصة، ليحافظ على سلطانه، الذي يمكن أن ينافسه عليه فرد آخر يعتبر مجرما عندما يفشل، أما في حالة النجاح يصبح ذلك الفرد صاحب السيادة. هذا يعني أن السلطة السياسية تتأسس على الخوف وأن الانسان له ميل للطاعة من أجل إقامة السلم المدني.
وهكذا نتبين أن المنظور السياسي عند هوبز يختلف كليا عن بقية مفكري القرن السابع عشر الذين وجهوا له انتقادات مثيرة، فكون صاحب السيادة لا يتعاقد مع الأفراد بل يبقى خارج العقد أي يبقى في حالة الطبيعة، و كون السلطة السياسية تتأسس على الخوف لا يدعم في الحقيقة إلا النظم الاستبدادية و الكليانية.
(1694 – 1632) : Samuel Pufendorf -: بيفندورف
هو مفكر سياسي ألماني تأثر بقروتييس، لذلك يؤكّد خاصة على ضرورة فصل السياسة عن اللاهوت، إذ يرى بيفندورف أن العقل الطبيعي وحده قادر على تأسيس الحق الطبيعي. ورغم كون مبادئ الحق ليس لها ضرورة أخلاقية، فإنها تفرض على الإنسان واجبات عقلية أو طبيعية وهي واجبات تختلف كليا عن الواجبات التي يلزمنا بها الله في النصوص المقدسة، وهذه الواجبات تضمن المساعدة المتبادلة التي هي ضرورية لاستمرار الاجتماع والسلم بين الناس. لذلك يختزل بيفندورف في كتابه "واجبات الانسان والمواطن" فلسفة الحق في علم الواجبات، ورغم ذلك فإن فلسفته الأخلاقية تبقى عقلانية محضة ولا ترتبط بالوحي.
والفلسفة السياسية عند بيفندورف تتضمن دحض النظرية الطبيعية للحق الالاهي، كما تدحض التماثل الذي يقيمه بعض الحقوقيين بين سلطة صاحب السيادة والسلطة الأبوية وهو موقف يدعمه فيه روسّو. ويرى بيفندورف أن التحوّل من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية هو ضرورة اقتضتها المصلحة العامة ويتم بتعاقد يقتضي التوافق المتبادل بين كلّ الأطراف. ويقرّ بيفندورف كون الانسان يستطيع أن يبيع نفسه من أجل ضمان بقائه وهو موقف يرفضه روسّو.
(1704 – 1637) : John Locke -: لوك
يربط لوك في "رسالة في القانون الطبيعي" (1664) القانون الطبيعي بالإرادة الالاهية التي تأمر به، من جهة، وبماهية الإنسان باعتباره كائنا حرا وعاقلا من جهة أخرى. فالإنسان من حيث هو عاقل وحر يجب أن تكون له غاية يدركها في ذاته بانعكاس يجعله قادرا على تحديد أفعاله الخاصة وفق قواعد العدل. ورغم كون الإنسان يدرك القانون الطبيعي انطلاقا من التجربة الحسية، فإن لوك يقرّ مع ذلك تلاؤما بين القانون الطبيعي والعقل البشري بما أن هذا القانون الطبيعي يمثل حدّا جوهريا في طبيعة الإنسان.
ويؤكّد لوك في رسالتيه حول الحكومة المدنية أن فكرة السلطة ترجع في الآن نفسه، إلى التجربة الحسية وإلى العقل. إذ هي ضرب بسيط يشكله العقل عندما يلاحظ، من جهة، بأن التغيرات المتواصلة الحاصلة في أفكاره ترجع إما لانطباع الأشياء الخارجية في الحواس، وإما باختياره الخاص، أي بقدرته على جعل بعض أجزاء الجسم تتحرّك، وعندما يلاحظ، من جهة أخرى كون هذه التغيرات يمكن أن تتعاود. وينتج عن ذلك فكرتين عن السلطة، واحدة منفعلة passive تتمثل في القدرة على تقبل التغيرات، والثانية فاعلة active تتمثل في القدرة على إنتاج التغير. وهكذا فإن الإنسان يمثل في نفس الوقت قوة منفعلة وفاعلة، وتجربة فعل إرادتنا في أجسامنا تجعلنا نتصور السلطة كقوة فاعلة. وهذا التمييز الذي يقوم به لوك بين القوة الفاعلة والقوة المنفعلة هو تمييز هوبزي، لكن في حين أن هوبز يختزل الحرية في غياب الحواجز الخارجية أمام فعل القوة، يجعل منها لوك قوة فاعلة بالكيفية التي تجعل الإنسان قادرا على إخضاع أفعاله للأحكام ذات القيمة الأخلاقية. فأن أكون حرّا حسب لوك هو أن أكون قادرا على الامتناع عن فعل ما هو من واجبي حتى أتثبت إذا كان هذا الفعل مطابقا للقانون وينحى إلى سعادتنا الحقيقية. و هذا يعني أن الحرية لا تكمن في اللامبالاة، و لكن تؤسس إمكان اشتغال ملكة الحكم.
و يجب أن نلاحظ أن مقاربة لوك للقانون الطبيعي لها بعد أخلاقي، ففي "الرسالة الثانية في الحكومة المدنية" يصوغ لوك مفهوم القانون الطبيعي عبر وصف الوجود الإنساني في حالة الطبيعة. ونظرية لوك في الحالة الطبيعية تتميز بإقراره بوجود الأسرة والملكية، التي يؤسسها لوك على العمل وعلى أطروحة السخاء غير المحدود للطبيعة. واستقرار حالة الطبيعة أين يمثل السلم القاعدة والحرب الشاذ، يتأسس عن هذا التصور المتناغم بين حاجة الإنسان و انتاجات الطبيعة اللذان يتوسطهما شكل بدائي لنشاط الجني أو التشكيل، أي العمل. كما تمثل حالة الطبيعة حالة حرية لا يهتم فيها الفرد إلا بذاته، ولكن الحرية لا تعني الإباحية بالنسبة للوك، إذ يوجد قانون طبيعي يلزم الإنسان ككائن عاقل بطاعته. والقانون الطبيعي هو قاعدة أخلاقية يكتسبها كلّ فرد بالتجربة وتدرك بالعقل. لكن العقاب الذي يرافق هذا القانون يترك في حالة الطبيعة إلى المبادرات الشخصية بما أن الإنسان له الحق الطبيعي في الدفاع عن ذاته واسترجاع خيراته بواسطة القوة. هذا يعني أن حالة الطبيعة عند لوك لا تمثل حالة عدم ثبات كما هو الشأن مع هوبز، ذلك أن القانون الطبيعي يجعل السلم ممكنا. والحرب لا تحصل إلا بتدخل عنصر خارجي هو المال الذي يأتي ليحطم هذا التناغم في علاقة الإنسان بالطبيعة فيتحول اهتمام الإنسان من المحافظة على بقاءه إلى المحافظة على النوع. وبالتالي فإن إرادة تحاشي الحرب هذه تمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل البشر يتركون حالة الطبيعة ويتحولون إلى الحياة المدنية. و العقد الاجتماعي يمثل في نفس الوقت شهادة ميلاد الجسم السياسي، لأن ميثاق الاجتماع الأولي يتضمن بضرورة داخلية التخلي لفائدة الأغلبية عن كل السلط الضرورية لتحقيق الغايات المدنية.
(1645 – 1583) : Hugo de Groot dit : Grotius. قروتييس
هو حقوقي، ودبلوماسي، ومؤرخ، وفقيه لغوي هولندي، يعرض فلسفته السياسية خاصة في كتابه "حق الحرب والسلم" «le droit de la guerre et de la paix » الذي ألفه سنة 1625 وأهداه للويس الثالث عشر عندما كان سفيرا في فرنسا. ويتألف هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء يفسر فيها قروتييس الحق الطبيعي، ويقدّم فيه خاصة مبادئ الحق العام والقانون الدولي.
والمبدأ الأساسي الأول الذي يصوغه في هذا الكتاب يتعلق باستقلالية الحق الطبيعي الذي ينفصل معه عن الألوهية ويتميز في نفس الوقت عن الأخلاق وعن السياسة والحق الوضعي. فالحق الطبيعي عنده مؤسس على الطبيعة الإنسانية، وبالتحديد على المبدأ العقلاني للخاصية الاجتماعية للطبيعة الإنسانية، فالإنسان له ميل طبيعي للاجتماع.
وبناء على ذلك فإن الحق الطبيعي لا يؤسسه ولا يحدده أي مشرّع وضعي، إذ هو كوني وأزلي. وانطلاقا من ذلك يقدم قروتييس نظرية فردانية ـ Individualiste ـ حول المجتمع، ذلك أن المجتمع لا يمثل شراكة بأتم معنى الكلمة، بل أنه يتولّد عن الإرادة العاقلة للناس التي تدفعهم للاتحاد بما هو ضمان للحقوق الفردية، وخاصية الملكية.
والمبدأ الأساسي الثاني هو فكرة التعاقد التي تمثل أساس قيام الدولة والمجتمع المدني. فالدولة هي "جسد" كامل يتكون من أشخاص أحرار اجتمعوا للتمتع بطريقة سلمية بحقوقهم وبمصلحتهم المشتركة. لذلك ينظر قرونييس إلى دولة قوية تجعل خاصة التجارة مزدهرة وتكون قادرة على إحلال السلم الداخلي والخارجي. فتكون المصلحة العامة الغاية الأساسية للدولة التي وإن كانت متكونة من أفراد، تتعداهم باعتبارهم أفرادا ولا تنتفي معهم إذ هي متأبدة.
أما المبدأ الثالث فيجعل من قروتييس على حد عبارة "Simone Goyard - Fabre" «أب القانون الدولي». ففي فترة تاريخية زاخرة بالنزاعات بين الدول الأوروبية، وفي حين كان بعض المفكرين أمثال ـ Machiavel ـ ينادون بحلها بواسطة القوة، دعا فروتييس إلى إقامة هذه العلاقات على الحق الذي يؤسسه العقل. لذلك فإنه لا يعتبر الرقعة الأرضية التي تقوم عليها الدولة عنصرا في الدولة. إذ لا تمثل في أقصى الحالات إلا موضوع حق ملكية وسيادة، وهو حق تحده حدود مرتبطة بالعلاقات بين الدول، وخاصة المرور في المياه الإقليمية بالنسبة للسفن الأجنبية. على كلّ للحق الطبيعي وجود مطلق متعاليا على كلّ قوة، كما تتميز حالة الطبيعة بالعقل الذي يمنع الانسان من دخول في حالة الحرب بالرغم من وجود ميل طبيعي عند الانسان للسلطة والتسلط.
1679 – 1588 : Thomas Hobbes -: هوبز
ينطلق هوبز من فهم ميكانيكي للإنسان، فالإنسان هو رغبة في ضمان البقاء، وهو رغبة حرة، والحرية عنده هي الضرورة التي لا تمنعها الحيثيات الخارجية من الحركة. ذلك أن الإنسان، من جهة جسده، له حركة حيوية ينتجها دوران الدم، وتتمظهر في مستوى الحركة الحيوانية التي تمثل من جهة كونها كوناتوس Conatus، رغبة تتطور وفق الانفعالات و الإرادة ومن جهة أخرى مجموعة من ردود الأفعال للأجزاء الداخلية للجسد التي تحركها الأجسام الخارجية، أي الإحساسات. والأفكار ليست إلا حركات داخلية تسببها حركات خارجية تظهر في شكل أحاسيس وتخيلات وذكريات. وعلى أساس هذه التجربة المعقلنة لحركات الجسم و الروح يبني هوبز علم السياسة والأخلاق. فما قام به "قاليلي" في الفيزياء، يسعى هوبز لانجازه في السياسة.
لذلك ينطلق هوبز من تساوي الأفراد في القوة الفيزياوية و الروحية في حالة الطبيعة، بما أن الأضعف له دائما من القوة ما يمكنه من قتل الأقوى. و بما أن كلّ فرد يسلك وفق الحركة الحياتية التي تنحى لحماية ذاتها، أي إلى الاستحواذ على كلّ شيء يمكنها من ضمان حياتها وفق حسابات العقل، فإنه ينتج عن ذلك حالة توازن بين كلّ الأفراد. و هذه الحالة التي يكون فيها الحق لكل فرد على كلّ شيء هي حالة حرب تهدّد بقاء كلّ فرد من الأفراد. و حالة الطبيعة بناء على هذا الفهم الميكانيكي للإنسان لا تتضمن الاجتماع ولا العمل ولا الفنون... فهي حالة يكون فيها الفرد معرضا في كلّ لحظة للموت القسري. وبما أن الانسان ليس له أي ميل طبيعي للاجتماع فإن ما يدفع الأفراد للتعاقد والاجتماع هو الخوف كانفعال مهيمن في حالة الطبيعة.
والدولة تنشأ ،إذن، عن تعاقد يتخلى بموجبه كلّ فرد عن حقّه على كلّ الأشياء لصالح المجموعة في يد رئيس يجمع بهذه الكيفية القوة المطلقة. لذلك فإن صاحب السيادة لا يرسي النظام إلا باسم مصلحته الخاصة، ليحافظ على سلطانه، الذي يمكن أن ينافسه عليه فرد آخر يعتبر مجرما عندما يفشل، أما في حالة النجاح يصبح ذلك الفرد صاحب السيادة. هذا يعني أن السلطة السياسية تتأسس على الخوف وأن الانسان له ميل للطاعة من أجل إقامة السلم المدني.
وهكذا نتبين أن المنظور السياسي عند هوبز يختلف كليا عن بقية مفكري القرن السابع عشر الذين وجهوا له انتقادات مثيرة، فكون صاحب السيادة لا يتعاقد مع الأفراد بل يبقى خارج العقد أي يبقى في حالة الطبيعة، و كون السلطة السياسية تتأسس على الخوف لا يدعم في الحقيقة إلا النظم الاستبدادية و الكليانية.
(1694 – 1632) : Samuel Pufendorf -: بيفندورف
هو مفكر سياسي ألماني تأثر بقروتييس، لذلك يؤكّد خاصة على ضرورة فصل السياسة عن اللاهوت، إذ يرى بيفندورف أن العقل الطبيعي وحده قادر على تأسيس الحق الطبيعي. ورغم كون مبادئ الحق ليس لها ضرورة أخلاقية، فإنها تفرض على الإنسان واجبات عقلية أو طبيعية وهي واجبات تختلف كليا عن الواجبات التي يلزمنا بها الله في النصوص المقدسة، وهذه الواجبات تضمن المساعدة المتبادلة التي هي ضرورية لاستمرار الاجتماع والسلم بين الناس. لذلك يختزل بيفندورف في كتابه "واجبات الانسان والمواطن" فلسفة الحق في علم الواجبات، ورغم ذلك فإن فلسفته الأخلاقية تبقى عقلانية محضة ولا ترتبط بالوحي.
والفلسفة السياسية عند بيفندورف تتضمن دحض النظرية الطبيعية للحق الالاهي، كما تدحض التماثل الذي يقيمه بعض الحقوقيين بين سلطة صاحب السيادة والسلطة الأبوية وهو موقف يدعمه فيه روسّو. ويرى بيفندورف أن التحوّل من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية هو ضرورة اقتضتها المصلحة العامة ويتم بتعاقد يقتضي التوافق المتبادل بين كلّ الأطراف. ويقرّ بيفندورف كون الانسان يستطيع أن يبيع نفسه من أجل ضمان بقائه وهو موقف يرفضه روسّو.
(1704 – 1637) : John Locke -: لوك
يربط لوك في "رسالة في القانون الطبيعي" (1664) القانون الطبيعي بالإرادة الالاهية التي تأمر به، من جهة، وبماهية الإنسان باعتباره كائنا حرا وعاقلا من جهة أخرى. فالإنسان من حيث هو عاقل وحر يجب أن تكون له غاية يدركها في ذاته بانعكاس يجعله قادرا على تحديد أفعاله الخاصة وفق قواعد العدل. ورغم كون الإنسان يدرك القانون الطبيعي انطلاقا من التجربة الحسية، فإن لوك يقرّ مع ذلك تلاؤما بين القانون الطبيعي والعقل البشري بما أن هذا القانون الطبيعي يمثل حدّا جوهريا في طبيعة الإنسان.
ويؤكّد لوك في رسالتيه حول الحكومة المدنية أن فكرة السلطة ترجع في الآن نفسه، إلى التجربة الحسية وإلى العقل. إذ هي ضرب بسيط يشكله العقل عندما يلاحظ، من جهة، بأن التغيرات المتواصلة الحاصلة في أفكاره ترجع إما لانطباع الأشياء الخارجية في الحواس، وإما باختياره الخاص، أي بقدرته على جعل بعض أجزاء الجسم تتحرّك، وعندما يلاحظ، من جهة أخرى كون هذه التغيرات يمكن أن تتعاود. وينتج عن ذلك فكرتين عن السلطة، واحدة منفعلة passive تتمثل في القدرة على تقبل التغيرات، والثانية فاعلة active تتمثل في القدرة على إنتاج التغير. وهكذا فإن الإنسان يمثل في نفس الوقت قوة منفعلة وفاعلة، وتجربة فعل إرادتنا في أجسامنا تجعلنا نتصور السلطة كقوة فاعلة. وهذا التمييز الذي يقوم به لوك بين القوة الفاعلة والقوة المنفعلة هو تمييز هوبزي، لكن في حين أن هوبز يختزل الحرية في غياب الحواجز الخارجية أمام فعل القوة، يجعل منها لوك قوة فاعلة بالكيفية التي تجعل الإنسان قادرا على إخضاع أفعاله للأحكام ذات القيمة الأخلاقية. فأن أكون حرّا حسب لوك هو أن أكون قادرا على الامتناع عن فعل ما هو من واجبي حتى أتثبت إذا كان هذا الفعل مطابقا للقانون وينحى إلى سعادتنا الحقيقية. و هذا يعني أن الحرية لا تكمن في اللامبالاة، و لكن تؤسس إمكان اشتغال ملكة الحكم.
و يجب أن نلاحظ أن مقاربة لوك للقانون الطبيعي لها بعد أخلاقي، ففي "الرسالة الثانية في الحكومة المدنية" يصوغ لوك مفهوم القانون الطبيعي عبر وصف الوجود الإنساني في حالة الطبيعة. ونظرية لوك في الحالة الطبيعية تتميز بإقراره بوجود الأسرة والملكية، التي يؤسسها لوك على العمل وعلى أطروحة السخاء غير المحدود للطبيعة. واستقرار حالة الطبيعة أين يمثل السلم القاعدة والحرب الشاذ، يتأسس عن هذا التصور المتناغم بين حاجة الإنسان و انتاجات الطبيعة اللذان يتوسطهما شكل بدائي لنشاط الجني أو التشكيل، أي العمل. كما تمثل حالة الطبيعة حالة حرية لا يهتم فيها الفرد إلا بذاته، ولكن الحرية لا تعني الإباحية بالنسبة للوك، إذ يوجد قانون طبيعي يلزم الإنسان ككائن عاقل بطاعته. والقانون الطبيعي هو قاعدة أخلاقية يكتسبها كلّ فرد بالتجربة وتدرك بالعقل. لكن العقاب الذي يرافق هذا القانون يترك في حالة الطبيعة إلى المبادرات الشخصية بما أن الإنسان له الحق الطبيعي في الدفاع عن ذاته واسترجاع خيراته بواسطة القوة. هذا يعني أن حالة الطبيعة عند لوك لا تمثل حالة عدم ثبات كما هو الشأن مع هوبز، ذلك أن القانون الطبيعي يجعل السلم ممكنا. والحرب لا تحصل إلا بتدخل عنصر خارجي هو المال الذي يأتي ليحطم هذا التناغم في علاقة الإنسان بالطبيعة فيتحول اهتمام الإنسان من المحافظة على بقاءه إلى المحافظة على النوع. وبالتالي فإن إرادة تحاشي الحرب هذه تمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل البشر يتركون حالة الطبيعة ويتحولون إلى الحياة المدنية. و العقد الاجتماعي يمثل في نفس الوقت شهادة ميلاد الجسم السياسي، لأن ميثاق الاجتماع الأولي يتضمن بضرورة داخلية التخلي لفائدة الأغلبية عن كل السلط الضرورية لتحقيق الغايات المدنية.
مواضيع مماثلة
» معوقات التغير الاجتماعي
» مبادئ أساسية في التربية عند ابن خلدون
» نقد فلسفة هايدغر
» معنى المطلق والنسبي في فلسفة القيم
» مبادئ أساسية في التربية عند ابن خلدون
» نقد فلسفة هايدغر
» معنى المطلق والنسبي في فلسفة القيم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى